والحق: أن اصطلاح القرآن في لفظة " الفسق " سواء كان في صيغة المشتق أو الفعل ليس هو الاصطلاح المعروف الفقهي الذي أشرنا إليه، وينطبق على فاعل الكبيرة، بل هو مرادف للكفر والطغيان على الله تعالى، فقد قال تعالى: * (أفمن كان مؤمنا كمن كان فاسقا لا يستوون.... إلى أن قال: وأما الذين فسقوا فمأواهم النار كلما أرادوا أن يخرجوا منها أعيدوا فيها وقيل لهم ذوقوا عذاب النار الذي كنتم به تكذبون) * (1). وقال تعالى: * (كذلك حقت كلمة ربك على الذين فسقوا أنهم لا يؤمنون) * (2). وقال تعالى: * (ولقد أرسلنا نوحا وإبراهيم وجعلنا في ذريتهما النبوة والكتاب فمنهم مهتد وكثير منهم فاسقون * ثم قفينا على آثارهم برسلنا وقفينا بعيسى بن مريم وآتيناه الإنجيل... فآتينا الذين آمنوا منهم أجرهم وكثير منهم فاسقون) * (3). وقال تعالى: * (فإن الله لا يرضى عن القوم الفاسقين) * (4).
فالفسق في أصل اللغة هو الخروج، وفي الاستعمالات القرآنية هو الخروج عن طاعة الله بالمرة بحيث " حقت كلمة الله على الذين فسقوا أنهم لا يؤمنون "، وكان الفاسق مقابلا للمؤمن، ولا يهتدي بهداية الكتب الإلهية، كما عرفت في الآيات التي هي نموذج من الآيات الكثيرة القرآنية.
وحينئذ فالفاسق في أعلى مرتبة من العصيان والطغيان، والاطلاع على الفسق بهذا المعنى من أحد يوجب زوال الثقة بأخباره بالمرة، لا سيما إذا كان محتوى خبره مربوطا بالأحكام الإلهية أو موضوعاتها، فآية النبأ حيث علقت وجوب التبين على نبأ الفاسق وهو نبأ الوليد - على ما في التفاسير وبعض الأخبار - فهي مجرد تنبيه على فسقه، وإلا فكون خبره جهالة موجبة لإصابة القوم بجهالة، ومستتبعة للندم، مما يقتضيه طبعه عند العقلاء، لا أنه تعبد بها، كما مر في ذيل البحث عن الآية.
وعليه فليست آية النبأ تخصيصا في سائر الأدلة، بل هي منطبقة عليها،