مشروطة بها، وأن أدلة رفع التكليف شرعا عن من لا يطيق منصرفة إلى ما لم يكن العجز. بسوء اختياره، كما هو الظاهر، فلا بأس ببقاء الحرمة القانونية خطابا أيضا.
وكيف كان فحيث إن المكلف يرى أنه مهما توقف في هذه الدار ابتلى بغصب زائد، فعقله يدرك أن أخف المحذورات عليه اختيار الخروج وإن كان هو أيضا موجبا للعقاب، بل ومخالفة للخطاب، لكنه لا محيص له من هذه المخالفة لكي لا يقع في مخالفة زائدة.
وهل يجب خروجه هذا شرعا أيضا بعد فرض حرمته أو ترتب العقاب عليه؟
قد يقال: بامتناعه، نظرا إلى أن الوجوب المتصور مقدمي متعلق بنفس ما يتعلق به الحرمة، ولا يجوز اجتماعهما على شئ واحد ذي جهة واحدة، واختلاف زمنيهما لا يجدي بعد توجه الحرمة إلى العمل الواقع في زمان واحد.
أقول: إن كان الوجوب - لو كان - متعلقا بنفس موضوع الحرمة، وهو فيما نحن فيه عنوان التصرف في دار الغير بل في مال الغير من دون رضاه، لكان ما أفيد في غاية الوجاهة، لكن الأمر ليس كذلك، بل الوجوب يتعلق بعنوان الخروج عنه - كما استظهرناه في بحث المقدمة - أو بعنوان المقدمة، أو الموصل، أو بالخروج بلا عنوان أصلا، وكيف كان فالموضوع للحرمة يغاير بحسب الذات والعنوان لموضوع الوجوب، وإنما يتحدان في الوجود الخارجي، فإن قلنا: بجواز اجتماع الأمر والنهي فلا بد من القول باجتماعهما - بناء على وجود الخطاب بعد الدخول - فإن خروجه وإن لم يكن متصفا بالوجوب قبل أن يدخل، لعدم مقدمية له بعد وكونه بمنزلة مقدمة حاصلة، فلا يتصف قيله إلا بالحرمة، إلا أنه بعدما دخل وعرضت له المقدمية الفعلية اتصف بالوجوب أيضا، وأما بناء على سقوطه بالدخول، فخروجه متصف بالوجوب لا غير سواء قلنا: بالجواز أو بالامتناع، وذلك أنه قبل الدخول لما كان لا مقدمية فعلية له وبمنزلة مقدمة حاصلة فلا أمر مقدمي حينئذ به، وبعدما دخل فالمفروض سقوط الخطاب، وإنما يبقى المبغوضية الفعلية، وهذه المبغوضية الفعلية بعينها موجودة في ما كان دخوله لا بسوء اختياره