عندنا صفة نفسية متقومة بصورة نفسية فانية في الخارج، وبلحاظ هذا الفناء يدرك لها نحو ارتباط بالخارج، ويوجب نفس هذا الارتباط أن نعبر ونقول: إن الخارج هو مرادنا لا غير، إلا أنه قد يحصل المراد وقد لا يحصل.
وهذا الذي ذكرناه لا فرق فيه بين الإرادة التكوينية والتشريعية، بداهة أن المولى أيضا يكون بصدد تحصيل ما يترتب عليه غرضه، أعني الخارج، غاية الأمر أنه يحصل الغرض من طريق عبده، فلا محالة إنما يريد الأمر الخارجي الذي يترتب ويقوم به غرضه، على ما لا يخفى.
وأما مقام الإثبات: فلأنه إذا قال المولى: صل - مثلا - فله مادة وهيأة، أما المادة فالمستفاد منها هي الصلاة بوجودها الخارجي، وذلك - رغما لما أقرعوا به أسماعنا - أنا لا نفهم من كل لفظ إلا معنى ليس حقيقته إلا خصوص الموجود منه بالوجود الخارجي، فالمفهوم من لفظ الإنسان مثلا حقيقة لا توجد إلا في الأفراد الخارجي، فالبراهين الفلسفية وإن سلم قيامها على تحقق حقيقة الإنسان وماهيته في الذهن، إلا أن العرف لا يصدق ذلك، ولو قرئ عليه ألف عام، فلا يرى ولا يفهم من لفظ الإنسان إلا من يأكل ويمشي في الأسواق، ولا من لفظ النار إلا ما يحرق ويوجب حرارة ما جاوره، وهكذا في جميع الألفاظ، والدقة العقلية لا تعطي أزيد من أن هذا الفهم والانتقال إنما هو بوساطة صور نفسانية، فالعاقل الدقيق لا يصدق بعد الدقة بأن ما في ذهنه أيضا هو هذه الحقيقة.
وما يقال: من أن الغرض من الوضع احضار المعنى، والاحضار ايجاد ذهني، وحيث إن المماثل لا يقبل المماثل، والمقابل لا يقبل المقابل، فلا بد وأن يوضع كل لفظ لماهية المعنى المعراة عن الوجود والعدم، حتى تكون قابلة للوجود الذهني، فيه مالا يخفى، فإن الغرض وإن كان احضار المعنى، إلا أن الاحضار ليس إلا ايجاد صورة ذهنية ليست نفس المعنى الموضوع له، بل واسطة لانتقال النفس وتوجهها نحو المعنى الموضوع له.
وعليه فالمستفاد من مادة صل هي الصلاة بالوجود الخارجي.