غير توجه منهم إلى مفهوم الكلي والفرد، أو الوجود والماهية، إلا أن العلماء - بعد تسلم هذا المطلب من العرف - أتوا على تفسير مرادهم وبيان مرامهم، وأنه كلي أو فرده، أو أنه الوجود أو الماهية، فلا ينبغي توهم الإيراد عليه بأن العقلاء لا يفهمون شيئا من هذه المفاهيم أصلا، نعم، لو ثبت أن العلماء لم يبنوا بحثهم على شئ من المبنيين كان هذا إيرادا عليه، لكنه غير ثابت، بل ربما يؤيده في الجملة استدلال القائل بالفرد بعدم امكان وجود الكلي فراجع الفصول.
وكيف كان فأمر هذا النزاع سهل، وإنما الإشكال ومعركة الآراء أن متعلق الأوامر والنواهي - سواء قلنا: بتعلقها بالطبيعة أو الفرد - أهو الأمر المتحقق في الخارج، من الوجود أو الماهية، أم هو العنوان الملحوظ فانيا فيه، والحق هو الأول تبعا للكفاية وظاهر الفصول، وذلك لتطابق مقامي الثبوت والإثبات عليه، وعدم لزوم محذور منه.
أما مقام الثبوت: فلقضاء ضرورة الوجدان بأن من يريد شيئا فإنما هو لمكان آثاره المترتبة عليه الموافقة لغرضه، ومعلوم بالبداهة أن هذه الآثار تترتب على خصوص الموجود الخارجي، فنحن نريد الأكل لسد الجوع وبالأخرة لحفظ الحياة، وواضح أن الغاية سد جوعنا وحفظ حياتنا في الخارج، وهما لا يترتبان إلا على الأكل الخارجي، وهكذا الأمر في سائر مراداتنا، فما نحن بصدد تحصيله ونعبر عنه بأنه مرادنا إنما هو الموجود الخارجي من هذه الأمور.
نعم، كيفية ارادتنا لها أنه يحصل منها وجود في أفق النفس يتقوم به إرادتنا وشوقنا، وهذا الوجود بما أنه فان في الخارج يبعثنا نحو الخارج، وليس حصول هذه الصورة النفسية موجبا لكونها مرادة، بل المراد هو الذي ينتزع النفس وتتحرك إليه، وليس إلا الموجود الخارجي، ومعلوم أن الإرادة والشوق إنما تبقى ما لم يحصل في الخارج مرادنا، فإذا حصل فلا معنى للشوق أو الإرادة أصلا.
هذه كيفية إرادتنا وعنها نعبر بأن ارادتنا قد تعلقت بمراداتنا، فلا تعلق خارجي حقيقة حتى يقتضي وجود الطرف ويلزم إرادة المفروض الوجود، بل