فلا محالة لا يكون الأمر بهما طلبا للجمع بين الضدين، كما فيما نحن فيه، إذ قد اشترط الأمر بالمهم بعصيان الأهم، وهو يرتفع بامتثال الأمر بالأهم.
ويشهد لذلك أولا أنه لو كان الشيئان ممكني الجمع فأتى المكلف بهما لم يكونا معا امتثالا، كيف وإتيان المطلق أوجب سقوط المشروط عن وجوبه، لانتفاء شرطه.
وثانيا: أنه بعد اشتراط الأمر بالمهم بترك الأهم ففعل الأهم بمنزلة علة العدم للأمر بالمهم، فلو كان المهم مطلوبا مع فعل الأهم لزم اجتماع الشئ مع علة عدمه، وهو محال.
وثالثا: أنه يصح هنا عقد قضية منفصلة مانعة الجمع، وهي أنه إما أن يفعل المكلف للأهم، وإما أن يكون المهم مطلوبا، فاجتماع فعل الأهم ومطلوبية المهم محال، ومعه فكيف يقال بأن لازم الأمر بالترتب هو ايجاب الجمع بين الضدين.
" انتهى ".
والإيراد عليه بأنه لا يلزم من إطلاق الأمرين أيضا طلب الجمع بين الضدين، قد عرفت اندفاعه بأن مراده استلزام الأمرين لاجتماع امتثالهما في زمان واحد.
إلا أنه قد أورد عليه سيدنا العلامة الأستاذ - مد ظله العالي - والمحقق صاحب نهاية الدراية (قدس سره) بأنه بعد تحقق الأمرين في فرض عصيان الأهم فكل منهما يقتضي امتثال نفسه، وحيث إنهما اجتمعا في زمان واحد فكل منهما يقتضي امتثاله في هذا الزمان، والمفروض أنه المراد بطلب الجمع بين الضدين، وأضاف عليه صاحب النهاية: أن امتثالهما معا غير ممكن ومحال، إذ بامتثال أحدهما ينتفي موضوع الآخر، فهما باجتماعهما في زمان واحد اقتضيا امتثالين اجتماعهما بما أنهما امتثالان محال، مضافا إلى أنه غير مقدور عليه.
وغاية ما يقال في الجواب: أن المكلف حيث إنه قادر على امتثال الأهم، وبه يرتفع موضوع المهم، فلا محذور في مثله.
وفيه نظر واضح إذ الكلام مفروض في تقدير الترك وتحقق كلا الوجوبين،