فيقال: إنهما اقتضيا أمرين تحصيلهما غير مقدور، وامتثالين اجتماعهما غير ممكن، وحينئذ فلا جواب عنه إلا بمنع اشتراط الأمرين بامكان الامتثال لهما، أو القدرة عليهما إذا كان امتثال أحدهما رافعا لأصل وجود الآخر، ولعل إليه مآل الجواب الأول، وهو محل تأمل.
وتحقيق المقام: أن يقال: إنه بعد ما لم يكن ريب في مطلوبية كل من المتزاحمين للمولى، ووجدانهما لملاكهما، فليس البحث هنا عن اختصاص أحدهما بالطلب النفسي والإرادة الواقعية، أو عمومه لكليهما بنحو الترتب، إذ لا ريب في كونهما مطلوبين كما في جميع موارد العجز، كما أن تحقق البعث بما أنه أمر اعتباري فقط لا مؤنة له حتى يبحث عن اشتراطه بالقدرة عليهما أم لا. بل الكلام ممحض في أنه هل يمكن البعث المنجز المنبعث عن إرادة حتمية غير المأذون في ترك مرادها نحو كليهما بنحو الترتب؟ أم لابد وأن يختص أحدهما بذلك؟ فهذا البعث وهذه الإرادة لا محالة موجب لاستحقاق العقاب على المخالفة.
ثم إنه لا ينبغي الشك في أنه إذا كان الواجبان متساويين وتركهما فلا يستحق عند العقلاء، الذين هم المرجع في أمثال الباب، إلا عقابا واحدا، فإن شرط الاستحقاق هو القدرة، وهو لا يقدر إلا على أحدهما وعاجز عن الإتيان بالآخر، فلو أراد المولى عقابه على تركهما لكان له أن يقول: إني لم أقدر على إتيانهما فلم تعاقبني عقابين؟ وإنما عصيتك في أن لم أفعل ما هو تحت قدرتي، وهو أحدهما، ومنه يعلم أن البعث الموجب لاستحقاق العقاب على المخالفة ليس إلا إلى أحدهما مخيرا ولا بعينه، ولا يمكن أن يتوجه بعثان نحوهما بملاحظة أن شرط كل منهما حاصل وهو ترك الآخر، وبالجملة فمن ذلك يعلم أن البعث الحقيقي يتبع مقدار القدرة.
وعليه ففي ما كان أحدهما أهم فالمولى العالم بعجز عبده عن إتيان كليهما يعلم بفوات أحد مطلوبيه، بسبب عجزه المعذور فيه، والاهم والمهم عنده سواء في مقدار من المصلحة يوجد في كليهما، إذا نسبت كل إلى الأخرى، فهما من هذه