لكن ربما يقرب تقديم إطلاق الهيأة ورجوع القيد إلى خصوص المادة بوجوه ثلاثة:
أحدها: أن تقييد الهيأة مستلزم لتقييد المادة دون العكس، فيعلم تفصيلا بتقييد المادة، ويشك في تقييد الهيأة شكا بدويا، فيكون إطلاقها محكما.
وقد يجاب عنه - كما في التقريرات وتبعها بعض - بأن كون شئ واحد قيدا للهيئة والمادة معا متنافيان، فإن كونه قيدا للهيئة يستلزم دخله في أصل حدوث المصلحة في المادة، وكونه قيدا للمادة يستلزم عدم دخله في حدوث المصلحة، بل في خصوص ترتب المصلحة واستيفائها، وهما متنافيان، وأيضا كونه قيدا للهيئة يوجب عدم وجوب تحصيله، وكونه قيدا للمادة يستلزم وجوب تحصيله، وهما متنافيان.
وأجاب عنه سيدنا الأستاذ العلامة " دامت بركاته العالية ": بأن القيد الذي يقيد به المادة تبعا لتقييد الهيأة غير واجب التحصيل، فلا تناقض، وذلك أن الهيأة إنما تدعو إلى متعلقها، ويمتنع أن تتعلق بالمقيد بما هو مقيد، فإن المقيد متوقف على قيده، وقيده هذا متوقف على وجود الهيأة ومتأخر عنها، ومرتبة وجود الهيأة مرتبة وجود متعلقها، إذ هي ملازمة لمتعلقها غير منفكة عنه، فلو كان المقيد بما هو مقيد متعلقا للهيئة يلزم تقدم المتأخر برتبتين، فلا يكون متعلقها إلا نفس المادة، وهي لا تدعو إلا إليها، ولا يستلزم محذورا أبدا. هذا.
وفيه أولا: أنه خروج عن مفروض البحث، فإن مفروضه تقيد متعلق الهيأة، وهو - مد ظله - بصدد دفع الإشكال المزبور عنه، مع أن مرجع جوابه إلى عدم تقييده، فهو يصلح - على تقدير تماميته - أن يكون وجها لرد القول بتقيد المادة تبعا، لا لدفع الإشكال عنه.
وثانيا: أنه ليس المفروض إلا تقييد المادة بمتن ما هو قيد للهيئة من غير فرض شئ آخر، وحينئذ فالمقيد وإن كان متوقفا على وجود القيد، إلا أن القيد لا يتوقف إلا على علله الوجودية لا غير، فإذا كان دخول المسجد قيدا لهما معا