وقد عرفت فيما تقدم صحة الرجوع إلى عموم حديث الرفع، فيما قامت أمارة ظنية أو قطعية ثم انكشف خلافها، فلازمه جريان عمومه في الصورتين الأولتين أيضا، فببركة حديث الرفع كان الحكم في جميع الصور الإجزاء.
الثاني: أن الإجزاء في موارد الأصول المحرزة لشرائط أو أجزاء المكلف به أو عدم موانعه، إنما يوجب التوسعة الواقعية فيما هو شرط أو جزء أو نفي المانعية عما لم يعلم عنوان ذات المانع، كغير مأكول اللحم - مثلا - على تأمل في الأخير، فلا مجال في مثلها لتوهم التصويب، فإن اللازم منه إثبات الشرطية - مثلا - لمشكوك الطهارة، لا نفي النجاسة وإثبات الطهارة الواقعية له.
كما أن الإجزاء في موارد الأصول النافية لأصل الشرطية أو الجزئية أو المانعية عما شك في كونه كذلك لا يوجبه، إذ المقتضي للإجزاء فيها هو استصحاب العدم، أو حديث الرفع، وموضوعهما الشك في الواقع وعدم العلم به، ففيهما ولا سيما الثاني - كما أشار إليه في الكفاية (1) - قد فرض احتمال وجود الواقع أو وجوده، فعلى هذا يكون رفعه أو الحكم بعدم انتقاضه راجعا إلى جعل العذر عن مخالفته، لا نفيه بالمرة، فهو ثابت في الواقع، والمكلف معذور في خلافه وضعا وتكليفا.
وأما الإجزاء في موارد الأمارات فمرجعه كما عرفت إلى إحداث مصلحة مساوية في مؤدى الأمارة المخالفة، ولذلك يكون المكلف الجاهل بالواقع مخيرا بحسب الواقع بين الإتيان بمؤدى الأمارة أو نفس الواقع، مع أن العالم يتعين عليه الإتيان بالواقع تعيينا، والظاهر أن الإجماع المدعى على بطلان التصويب يوجب الحكم ببطلانه أيضا، إذ مفاد الإجماع اشتراك العالم والجاهل في نفس الأحكام وكيفيتها من التعيين والتخيير، ومنه تعرف النظر فيما أفاده في الكفاية، وما في نهاية الدراية فراجع (2)، والله تعالى هو العالم بحقيقة الحال.