وأما في شرائط المأمور به، فكما في أغسال الليلة الآتية لصوم اليوم المتقدم، فإنه لا ريب على مسلك العدلية أن التكاليف تابعة للمصالح والمفاسد، فالصوم - مثلا - إنما أمر به لكونه مؤثرا في مصلحة، فإذا كان مشروطا بالغسل المتأخر لزم تأثيره فيها، وشرطه غير موجود، أو هو نفسه معدوم، وفيهما من المحذور مالا يخفى.
والتحقيق أن يقال: أما في شرائط الأحكام فإن لها مراحل أربعة: مرحلة تصور المولى ومبادئ إنشائها عنده، ومرحلة إنشائها وجعلها من المولى، ومرحلة وجودها بوجود شرطها، ومرحلة تأثير المصلحة وتأثير الشرط الغير المقارن لحدوث المصلحة في متعلقها وجعلها في زمانها مقدما أو مؤخرا:
فأما مقام تصور المولى وإرادته لإنشاء هذه الأحكام فهو لا يتوقف إلا على وجود مبادئها في نفس المولى ليس إلا، والوجود الذهني للأمر المعدوم خارجا غير عزيز، كما لا يخفى.
ومنه يعرف حال مقام إنشائها، إذ هو أيضا لا يتوقف إلا على إرادته الموقوفة على المبادئ النفسية الموجودة حينه.
وأما مقام وجودها الخارجي فمن المعلوم أن الأحكام كلها تكليفيها ووضعيها ليست أمورا موجودة عينية حتى تحتاج إلى علة تكوينية، وإنما هي أمور اعتبارية يعتبرها العقلاء أو الشرع في موضوع اعتبارها، والإنشاء المشروط من المولى أو الجعل المشروط منه، موضوع عنده وعند العقلاء، لاعتبار المنشأ في فرض حصول موضوع إنشائه، فإذا قال: " يجب عليك يوم الخميس تهيئة وسائل إكرام زيد إن جاء البلد يوم الجمعة " فمع فرض مجيئه يوم الجمعة يعتبر هذا الوجوب في الخميس المقدم عليه، من غير تأثير لمجيئه في الوجوب المتقدم. وهكذا الأمر في الملكية المتقدم اعتبارها على الإجازة، أو المتأخر اعتبارها عن العقد.
وأما حديث المصلحة: ففي التكاليف تصويره بأن المصلحة الحاصلة إنما تحصل من نفس العمل المتقدم ليس إلا، إلا أنها إنما تحتاج إليها بتقدير تحقق الشرط وفرض وجوده، فإذا وجد هذا الفرض تصل نوبة الاستفادة منها وتقع