إنما المجعول هو نفس التكليف والقانون وهو تمام الموضوع للآثار المعروفة.
وثالثا: أن الإطلاق هو رفض القيود، وبعد تسليم وجود حقيقة البعث والطلب في المندوبات عند العرف والعقلاء، فالإطلاق يرفع أي خصوصية كانت، ويكون لازمه إرادة معنى يكون متحققا في المندوب والواجب كليهما، ولا يصح إرادة خصوص فرد من باب مقدمات الإطلاق.
ورابعا: أن هذا التقريب دقيق غير قابل للاتكال عليه - عند العرف - لبيان المقصود، فهو نظير إطلاق الوجود وإرادة خصوص الواجب، نظرا إلى أنه صرف الوجود الذي لا يشوبه العدم، فكما لا يمكن الاتكال عليه في المحاورات العرفية فكذلك فيما نحن فيه.
وأما الإيراد عليه: بأن الإرادة لما كانت من الأمور الممكنة المحدودة فلا محالة لها ماهية وحد، فسواء تحققت في الوجوب أو الندب فهي محدودة، فلا تصح دعوى أنها غير محدودة في الواجب لكي يتم بيان اقتضاء مقدمات الإطلاق (1).
فمدفوع: بأن المراد من الحد المذكور في الاستدلال ليس الحد الذي به قوام نفس المعنى، بل المراد أنه بعد حفظ المعنى بمقوماته فالواجب لا تحديد ولا تقييد فيه زائدا على أصل المفهوم، بخلاف الندب، فإنه محدود مضافا إلى حدود المفهوم بقيد عدم المنع من الترك، والاطلاق يدفع القيود الزائدة، فلازمه أن يحمل على خصوص الوجوب.
بل التحقيق أن يقال: إن العقلاء يحكمون بأنه إذا صدر من المولى والمقنن بعث وطلب بأي أداته كان فهو حجة عندهم على العبد، لا يقبل منه دعوى احتمال إرادة الندب إذا ترك امتثاله، مع اعترافه بأن المولى لم ينصب قرينة على جواز الترك، فهذا البناء العقلائي في باب الإطاعة والامتثال حجة عقلائية عليها مدار الإطاعة والعصيان، وبها الثواب والعقاب، كما لا يخفى.