الانصراف، فإن منشأ الانصراف إنما هو انس الذهن بإرادة خصوص معنى من لفظ، وهو ناش عن كثرة إطلاق اللفظ بماله من المعنى على بعض الأفراد، سواء أكان فردا كاملا أم لا، ولذلك لا ينصرف الموجود ولا الوجود إلى واجب الوجود تبارك وتعالى، فليس الاستناد في استفاده الوجوب من الهيأة إلى الانصراف.
كما لا يصح الاستناد إلى أنه مقتضى مقدمات الحكمة في ما كان المتكلم في مقام البيان كما في الكفاية، ببيان أن الموضوع له الهيأة وإن كان هو الطلب إلا أن الندب طلب خاص فإن الطلب فيه مقيد بعدم المنع من الترك، وهذا بخلاف الوجوب فإنه محض الطلب بلا تقييد ولا تحديد، ولذلك فإذا كان في مقام البيان يحمل على ما لا يحتاج إلى التقييد، وهو خصوص الوجوب.
فإن فيه أولا: أن الموضوع له للهيئة هو البعث - على التحقيق - أو الطلب الانشائي - على مختار الكفاية -، والواجب والمندوب في وجود البعث أو الطلب فيهما على السواء، فالتحريك التنزيلي أو الطلب الإنشائي الذي هو أمر إنشائي متحقق فيهما، وليس في المندوب يتقيد البعث أو الطلب بقيد حتى يكون مجال للبيان المذكور، فلو سلم جريانه في الإرادة التي يدعى أنها روح البعث والطلب فلمكان تباينها في الوجود عن البعث أو الطلب الإنشائي لما أوجب الحمل على خصوص الوجوب.
وثانيا: أنه لو سلم جريانه في البعث أو كونه تابعا للإرادة التي هي روحه وعلته فمن الواضح أن قوام التكليف ليس بالإرادة التشريعية والشوق المؤكد إلى فعل العبد، فإن من أوضح مصاديق التكليف هو القوانين الموضوعة في مجالس التشريع العرفية، فإنه ليس المتبع فيها إلا نفس القانون، ولا قيمة لإرادة المقننين لكي يقال: إنها روح القوانين، بل لا اشتياق منهم إلى فعل المكلفين، وإنما يريدون تشريع القوانين طبقا لمصالح يزعمونها، وهكذا الأمر في التكاليف الشرعية التي شرعها الله الحكيم، فإنه تعالى لا يكون معرضا للإرادة التي من الكليات المشككة لتكون في الواجب شديدة غير محدودة، وفي المندوب محدودة بحد عدمي، بل