لا لاحتفاف الأخبار بقرائن وقيود لم تنقل إلينا فإنه بعيد جدا، بل مقطوع البطلان، فإن الرواية العامة التي تكون أعم من سائر الروايات من طرقنا هي رواية محمد بن حكيم، وهي كانت عند الصدوق والشيخ من متقدمي أصحابنا بهذه الألفاظ من غير زيادة ونقيصة، وأنهم لم يفهموا منها إلا ما ذكرنا كما أشرنا إليه.
وما ذكر من قضية التخصيص الكثير إنما هو أمر أحدثه بعض متأخري المتأخرين (1)، وتبعه غيره (2)، وما رأينا في كلام القدماء من أصحابنا له عينا ولا أثرا، والمظنون أنه حصل من الاغترار بظاهر رواية محمد بن حكيم والروايتين من طرق العامة، فأخذ اللاحق من السابق حتى انجر الأمر إلى ذلك واشتهر بين المتأخرين.
ولولا مخافة التطويل الممل لسردت عبارات القوم في الموارد المفتى بها من غير نص خاص حتى يتضح لك الأمر، فراجع أبواب التنازع في الكتب، وموارد فرض الاشتباه والتشاح في كتاب النكاح، والطلاق، والتجارة، واللقطة، والقضاء، والإجارة، والصلح، والوصية، والميراث، والعتق، والصيد، والذباحة، والإقرار، والغصب، وإحياء الموات، والشفعة، وغيرها مما لا نص فيها، ترى أن الفقهاء عملوا فيها بالقرعة.
فتحصل مما ذكرنا: أن مصب أخبار القرعة العامة والخاصة ليس إلا المشتبهات والمجهولات في باب التنازع وتزاحم الحقوق، وليس التخصيص فيها كثيرا، بل هي بعمومها معول عليها، معمول بها.
بل يمكن أن يقال: إن التخصيص في أخبارها أقل من تخصيص نحو * (أوفوا بالعقود) * (3) و (المؤمنون عند شروطهم) (4) فالمسألة بحمد الله خالية عن الإشكال.