بيان مناط الصدق والكذب في القضايا إن قلت: فما المناط في صدق القضايا وكذبها إذا لم تكن للسالبة نسبة وواقعية؟
وهل الصدق إلا المطابقة للواقع، والكذب عدمها؟!
قلت: نعم الصدق هو المطابقة للواقع والكذب عدمها، لكن لا يلزم منه أن تكون للكواذب واقعية، وللأعلام حقائق، ولا لقطع النسبة الواقعية حكاية عن واقع محقق في الخارج.
وتوضيحه: أن الواقع عبارة عن نظام الوجود ذهنا وخارجا، بحيث لا تشذ عنه حقيقة من الحقائق وموجود من الموجودات، فإذا أخبر ب " أن زيدا قائم " فإما أن يكون مطابقا لصفحة الكون ونظام الوجود فهو صدق، وإلا فلا، وإذا قيل: " شريك البارئ ليس بموجود " يكون مطابقا للواقع، لأن صفحة الكون خالية عنه، والإخبار مطابق له، وإذا قيل: " إنه موجود " يكون مخالفا للواقع، لأن صفحة الكون وصحيفة الوجود خاليتان عنه، وقد أخبر بوجوده، فلا بد لتشخيص الصدق والكذب من مقايسة الخبر لصفحة الوجود ونظام الكون، من مبدأ الوجود إلى منتهاه، ذهنا وخارجا، فكل إخبار يكون مطابقا لصفحة الكون وصحيفة الوجود، بأن يكون الإخبار عن تحقق شئ موجود فيها، أو عدم شئ معدوم فيها يكون صدقا مطابقا للواقع، وإلا فلا، حتى أن مثل قولنا: " الانسان حيوان ناطق " الحاكي عن ذاتيات الماهية يكون مناط صدقه مطابقته لنظام الوجود ذهنا أو خارجا، فإن الانسان في تقرره الذهني وتحققه الخارجي حيوان ناطق، وما ليس بموجود مطلقا ليس بشئ حتى يثبت له لازم أو جزء، ولا يمكن أن يخبر عنه مطلقا، وما أخبر عنه يكون له نحو تحقق ولو ذهنا.
فتحصل مما ذكرنا: أنه ليس مناط الصدق في القضايا السالبة مطابقتها للواقع،