أما الترجيح فلا مجال له، وذلك يتضح بعد التنبيه على أمر، وهو أن ترجيح أحد الدليلين أو الأصلين على الآخر إنما هو بعد الفراغ عن تحققهما أولا، وذلك واضح.
وبعد الفراغ عن تحقق المرجح مع ذي المزية ومقابله ثانيا، فمع عدم تحقق المزية مع ذيها ومقابله لا يمكن الترجيح بها.
وبعد الفراغ عن كون مضمونهما واحدا ثالثا، ضرورة عدم تقوية شئ بما يخالفه أو لا يوافقه.
فحينئذ: إما أن يراد ترجيح أحد الاستصحابين على الآخر بدليل اجتهادي معتبر، أو بدليل ظني غير معتبر، أو بأصل من الأصول الشرعية أو العقلائية المعتبرة، أو غير المعتبرة.
عدم جواز ترجيح ذي المزية بشئ من المرجحات لا سبيل إلى الترجيح بالدليل الاجتهادي المعتبر، لحكومته على الاستصحاب، فلا يبقى ذو المزية معه، وكذا بالأصول العقلائية المعتبرة، لعين ما ذكر، ولا بالأصول الشرعية كأصالة الإباحة والطهارة والبراءة، ولا العقلية كأصالة البراءة والاشتغال، لأن الاستصحاب مقدم على كل منها، فلا تتحقق المزية، مع ذيها، فلا مجال للترجيح بالشئ المفقود مع ما يراد الترجيح به.
ومن ذلك يعلم: أنه لا مجال لترجيح الأصل الحاكم بالمحكوم وبالعكس، فاستصحاب الطهارة لا يرجح بأصلها وبالعكس.
وأما الترجيح بدليل ظني غير معتبر - كترجيح الاستصحاب بالعدل الواحد بناء على عدم اعتباره - فلا يمكن أيضا، لتخالف موضوعيهما ومضمونيهما، فمفاد استصحاب الطهارة ترتيب آثار اليقين بالطهارة في زمان الشك، أو ترتيب آثار الطهارة