الأمر الرابع أن المراد من المحل هو المحل الشرعي قد عرفت أن الأخبار كلها منزلة على قاعدة التجاوز، فحينئذ يكون المراد من المضي هو مضي محل المشكوك فيه، وإنما نسب المضي إلى الشئ بنحو من التوسعة والتنزيل، كما في مطلق المجازات، لا بتقدير لفظ المحل، فإن التحقيق أن المجاز مطلقا حتى مثل قوله: ﴿واسأل القرية﴾ (1) من قبيل الحقيقة الادعائية (2).
وكيف كان: يكون المراد من المضي مضي محله، والظاهر من المحل هو المحل المقرر الشرعي ولو إنفاذا، لا تقيد المحل الشرعي (3) حتى يقال: إنه تقييد بلا مقيد (4)، بل لأن الشارع المقنن إذا قرر للأشياء محلا، فجعل محل القراءة بعد التكبير، ومحل الركوع بعد القراءة وهكذا، ثم جعل قانونا آخر بأن كل ما مضى محله فأمضه، لا يفهم العرف والعقلاء منه إلا ما هو المحل المقرر الجعلي، لا ما صار عادة للأشخاص أو النوع، فإن العادة إنما تحصل بالعمل، وهي لا توجب أن يصير المحل العادي محلا للشئ، بل المحل بقول مطلق هو ما يكون محلا مقررا قانونيا، لا ما صار عادة حتى يختلف باختلاف الأزمنة والأحوال.
وبالجملة: إسراء الحكم إلى المحل العادي - بدعوى إطلاق الأدلة - في غاية الإشكال، بل لا يمكن التزامه.
نعم يمكن أن يقال: إنه يستفاد اعتبار المحل العادي من صحيحة زرارة المتقدمة الواردة في باب الوضوء والغسل، بدعوى أن الموضوع لعدم الاعتناء بالشك ليس عنوان