فحينئذ نقول: إن الأمر بالطبيعة يدعو إلى نفس الطبيعة بالذات، وإلى الأجزاء بعين دعوته إلى الطبيعة، فإذا جعل المولى جزءا للطبيعة فقال: (لا صلاة إلا بفاتحة الكتاب) (1) أو " إقرأ في الصلاة " أو " جعلت الفاتحة جزءا لها " يدعو الأمر المتعلق بالطبيعة إليها بنفس دعوته إلى الطبيعة، كما إذا أسقط جزءا منها تكون دعوة الأمر إلى الطبيعة دعوة إلى بقية الأجزاء.
وبالجملة: لا أرى وجها لامتناع تعلق الجعل الاستقلالي - على ما ذكر - إلا توهم كون التشريع كالتكوين، وإلا فلو لم يرد من المولى إلا الأمر بطبيعة، ثم صدر منه أمر آخر يدل على اشتراطها بشئ، أو جعل شئ جزءا منها، فهل يجوز للعبد ترك الشرط أو الجزء قائلا: بأنه لا بد من صدور أمر آخر متعلق بالطبيعة المتقيدة أو المركبة من هذا الجزء، ولم يصدر منه على القطع إلا الأمر بالطبيعة والدليل الدال على الاشتراط أو الجزئية، وذلك لا يكفي في الدعوة والبعث، وهل هذا إلا كلام شعري مخالف للحجة القطعية؟!
توهم عدم قبول السببية للجعل ودفعه ومن موارد الخلط بين التكوين والتشريع ما يقال: إن السببية مما لا تقبل الجعل لا تكوينا ولا تشريعا، لا أصالة ولا تبعا، بل الذي يقبله هو ذات السبب ووجوده العيني، وأما السببية فهي من لوازم ذاته كزوجية الأربعة، فإن السببية عبارة عن الرشح والإفاضة القائمة بذات السبب التي تقتضي وجود المسبب، وهذا الرشح والإفاضة من لوازم الذات، لا يمكن أن تنالها يد الجعل التكويني، فضلا عن التشريعي، بل هي كسائر