والحق في الجواب عنه أن يقال: إن المناسبة إن لم تصر موجبة لصرف ظاهر الكلام فلا يعقل أن تكون القضية المتيقن موضوعها ما هو مرتكز العرف تخيلا وإن صارت موجبة لذلك، فلا يرجع الفرق إلى محصل.
هذا مضافا إلى أن ما أفاده المحقق المعاصر رحمه الله يرجع بالآخرة إلى العجز عن تصور الفرق بين الأخذ من العرف والدليل، وأنت إذا تأملت فيما ذكرنا من أخذ الموضوع من العرف أو الدليل لا تضح لك النظر في كلام هؤلاء الأعلام، وأن ما أفاده هذا المحقق - من أن المقابلة بينهما في غير محلها - منظور فيه، وأن المقابلة بينهما في محلها.
المراد من العرف ليس العرف المسامح ثم إن المراد بالعرف في مقابل العقل ليس هو العرف المسامح، حتى يكون المراد بالعقل العرف الغير المسامح الدقيق، ضرورة أن الألفاظ كما أنها وضعت للمعاني النفس الأمرية تكون مستعملة فيها أيضا عند إلقاء الأحكام، فالكر والميل والفرسخ والدم والكلب وسائر الألفاظ المتداولة في إلقاء الأحكام الشرعية لا تكون مستعملة إلا في المعاني الواقعية الحقيقية، فالكر بحسب الوزن ألف ومائتا رطل عراقي من غير زيادة ونقيصة، لا الأعم منه وما يسامح العرف، وكذا الدم ليس إلا المادة السيالة في العروق التي تكون بها الحياة الحيوانية، لا الأعم منها وما يطلق عليه اسم الدم مسامحة، وليس التسامح العرفي في شئ من الموارد ميزانا لا في تعيين المفاهيم، ولا في تشخيص المصاديق.
بل المراد من الأخذ من العرف هو العرف مع دقته في تشخيص المفاهيم