فبين الدليلين وإن كان عموم من وجه، لاختصاص أدلة القرعة بباب تزاحم الحقوق والمنازعات كما عرفت (1)، لكن تتقدم أدلة الاستصحاب عليها بالحكومة، فما أفاده المحقق الأنصاري وتبعه المحقق الخراساني: من أعمية أدلة القرعة من أدلة الاستصحاب، فيجب تخصيصها بها (2) كما ترى.
هذا كله بناء على أن المراد من " المجهول " و " المشتبه " و " المشكل " الواردة في أدلة القرعة هو ذلك بحسب الواقع، ويكون معنى قوله: (كل مجهول ففيه القرعة) (3). أن كل ما تعلق الجهل بواقعه ففيه القرعة، فإذا دار الأمر بين كون مال لزيد أو عمرو ولم يعلم أنه من أيهما ففيه القرعة، وكذا الحال في المشتبه والمشكل.
وها هنا احتمال آخر قريب بعد الدقة في مجموع الأدلة والتتبع في كلمات الأصحاب، وإن كان مخالفا لظاهر بعض الروايات الخاصة: وهو أن المراد منها أن كل أمر مشكل في مقام القضاء، ومشتبه على القاضي، ومجهول فيه ميزان القضاء ففيه القرعة.
فيرجع محصل المراد: إلى أن الأمور المرفوعة إلى القاضي إذا علم فيها ميزان القضاء - أي كان لديه ما يشخص المدعي والمنكر، ككون أحدهما ذا اليد، أو قوله مطابقا لأصل عقلائي أو شرعي - فليس الأمر مجهولا عنده، ولا القضاء مشتبها ومشكلا، لأن البينة على المدعي، واليمين على المدعى عليه.
وأما إذا كان الأمر الوارد عليه مجهولا بحسب ميزان القضاء فلا بد من التشبث بالقرعة لتشخيص من عليه اليمين، وتمييز ميزان القضاء، لا لتشخيص الواقع، أما