في تحقيق الحال في المقام هذا، والتحقيق في المقام أن يقال: إنه لو سلمنا أن العناوين المبينة المفصلة - التي يدرك العقل مناط الحسن أو القبح فيها - إنما تكون في نظر العقل مع التجرد على كافة اللواحق والعوارض الخارجية حسنة أو قبيحة ذاتا، فلا يمكن أن يشك العقل في حكمه المتعلق بذلك العنوان المدرك مناطه.
ولكن تلك العناوين الحسنة والقبيحة قد تصدق على موضوع خارجي، لأن الوجود الخارجي قد يكون مجمع العناوين المتخالفة، فالعناوين المتكثرة الممتازة في الوجود العقلي التحليلي قد تكون متحدة غير ممتازة في الوجود الخارجي، ويكون الوجود الخارجي بوحدته مصداقا للعناوين الكثيرة، وتحمل عليه حملا شائعا، فإذا صدقت عليه العناوين الحسنة والقبيحة يقع التزاحم بين مناطاتها، ويكون الحكم العقلي في الوجود الخارجي تابعا لما هو الأقوى بحسب المناط.
مثال ذلك: أن الكذب بما أنه كذب - مع قطع النظر عن عروض عنوان آخر عليه في الوجود الخارجي - قبيح عقلا، وإنجاء المؤمن من الهلكة حسن، وكل من الحسن والقبح ذاتي بالنسبة إلى عنوانه بما أنه عنوانه، ولكن قد يقع التزاحم بينهما في الوجود الخارجي إذا صدقا عليه، فيرجح ما هو أقوى ملاكا وهو الإنجاء، فيحكم العقل بحسن الكلام الخارجي المنجي مع كونه كذبا.
وكذا إيذاء الحيوان بما أنه حيوان قبيح عقلا، ودفع المؤذي حسن لازم عقلا، وفي صورة صدقهما على الموجود الخارجي يكون الحسن أو القبح تابعا لما هو أقوى مناطا.
إذا عرفت ذلك: فاعلم أنه قد يصدق عنوان حسن على موجود خارجي، من غير أن يصدق عليه عنوان قبيح، فيكون الموضوع الخارجي حسنا محضا حسنا ملزما،