خرج سهم المبيح (1) فليس فهمهما حجة، ولهذا ترى أن زرارة أجاب أخيرا عن إشكال الطيار جوابا إقناعيا غير صحيح في نفسه، ولا معمولا به لدى الأصحاب، مع أنه من أين يعلم القاضي بطلان دعوييهما حتى يجعل سهم المبيح؟! ولو علم لا معنى لجعل ذلك وبالجملة: هذا الجواب فرار عن الإشكال.
مع أن جواب الطيار - على فرض صحة ما فهم من أخبار القرعة - أن خروج سهم المحق إنما هو فيما كان محق ومبطل، وإلا فالقرعة لا تجعل غير المحق محقا، والحق عدم ورود الإشكال رأسا لما ذكرنا في معنى الحديث.
ثم إن الظاهر من قوله: (ما يقارع قوم فوضوا أمرهم إلى الله إلا خرج سهم المحق) (2) أن القرعة ليست أمارة على الواقع، بل الله تعالى إذا فوض الأمر إليه يخرج سهم المحق بإرادته وأسباب غيبية، وهذا غير أماريتها كما لا يخفى، لكن القول الفصل ما تقدم (3).
ثم إن مثل قوله: (ما يقارع قوم..) إلى آخرة لا يكون بصدد بيان موضوع القرعة وموردها، فموضوعها وموردها الأمر المجهول والمشتبه والمشكل في باب تزاحم الحقوق والتنازع.
ومما ذكرنا: يتضح تقدم أدلة الاستصحاب على أدلتها، فيكون تقدمها عليها كتقدمها على أدلة أصالة الحل والطهارة، فتكون أدلته حاكمة عليها، كحكومتها عليهما، وقد مرت (4) كيفية الحكومة فيما تقدم.