إلى غير ذلك مما يعلم بها علما ضروريا أن مسألة الحمل على الصحة كان معمولا بها من عصر رسول الله صلى الله عليه وآله والأئمة عليهم السلام، وكان عملهم كسائر العقلاء، ولم يكن للشارع تصرف ودخالة فيها.
والإنصاف: أن الأمر أوضح من أن يحتاج إلى إتعاب النفس فيه.
ثم إن الظاهر أن موضوع بناء العقلاء ليس منحصرا بالعمل الصادر من الفاعل، كما يكون موضوع قاعدة الفراغ على القول بها (1)، بل هو أعم منه، فإن بناءهم على معاملة الصحة مع الفعل الذي سيصدر من الفاعل، أو يشتغل به إذا كان منشأ للأثر، فيأتمون بالإمام مع الشك في صحة عمله، ويوكلون الغير في النكاح والبيع وسائر أمورهم مما له صحة وفساد مع الشك في صدوره منه صحيحا، وبعض الأخبار المتقدمة أيضا يدل على ذلك، فدائرة أصالة الصحة في فعل الغير أوسع منها في فعل النفس.
الأمر الثاني هل أن الصحة في الواقعية أم لا؟
هل المحمول عليه فعل الفاعل هو الصحة باعتقاد الفاعل، أو الصحة الواقعية؟
وقبل تحقيق ذلك لا بد من بيان أمر، وهو أنه قد عرفت أن مبنى أصالة الصحة هو بناء العقلاء، ومبنى ذلك البناء يمكن أن يكون أحد أمرين:
أحدهما: أن ذلك من جهة إلقاء احتمال الخلاف، لأجل غلبة صدور الفعل الصحيح من الفاعل المريد لإيجاد فعل لتوقع ترتب الأثر عليه، فإن الفاعل الكذائي لا يخل بشئ مما هو معتبر في المأتي به عمدا، والترك السهوي خلاف الأصل العقلائي.