الأمر الثالث أن المستفاد من الروايات قاعدة واحدة وهي التجاوز هل المستفاد من أدلة الباب أن الشارع أسس قاعدتين مستقلتين، كل واحدة منهما بملاك خاص بها:
إحداهما: قاعدة الشك بعد تجاوز المحل، أي الشك في وجود الشئ بعد التجاوز عن محله المقرر له.
وثانيتهما: قاعدة أصالة الصحة بعد الفراغ من العمل (1)، أم لا يستفاد منها إلا قاعدة واحدة (2)؟
التحقيق أن يقال: إنه قد يراد من القاعدة الثانية أن المجعول هو صحة العمل بعد الفراغ منه، أو وجوب البناء على الصحة بعده، إذا شك في صحته وفساده من جهة الشك في الإخلال بشئ معتبر فيه (3).
فيرد عليه أولا: أن الصحة والفساد أمران منتزعان من عمل المكلف إذا طابق المأمور به، وليستا من الأحكام الوضعية الجعلية التي يمكن أن تنالهما يد الجعل، فلا يمكن أن يجعل الشارع الصحة للعمل.
نعم: له أن يرفع اليد عن الجزء أو الشرط المشكوك فيهما، أو يجعل أمارة على تحققهما، أو أصلا على وجوب البناء على وجودهما لدى الشك، ومع إعمال التعبد بأحد الوجوه تنتزع الصحة من فعل المكلف المنطبق عليه العناوين عقلا، ولا يعقل عدم