وبالجملة: إطلاق الحجة على الاستصحاب - بناء على كونه أصلا لحفظ الواقع أو أمارة لإثباته - صحيح، ولكن تعريفه حينئذ ب " إبقاء ما كان " ومثله ليس على ما ينبغي، لأن الاستصحاب بناء عليه أمر يكون حكم الشارع أو بناء العقلاء أو حكم العقل دليلا على اعتباره، ويجب على المكلف العمل على طبقه وجوبا طريقيا للتحفظ على الواقع، ولا يكون نفس الحكم الشرعي أو نفس عمل المكلف.
فكما أن خبر الثقة الذي هو طريق إلى الواقع وحجة عليه شئ، وإيجاب العمل على طبقه شئ آخر، والعمل عليه شئ ثالث، فلا يصح أن يقال: إن خبر الثقة هو وجوب العمل على طبقه، أو العمل على طبقه، فكذلك الاستصحاب.
فلا بد من تعريفه - بناء عليه - إما ب " الكون السابق للشئ الكاشف عن بقائه في زمن الشك فيه "، أو " اليقين السابق الكاشف عن متعلقه في زمن الشك "، أو " الشك المسبوق باليقين بالشئ ".
فلو قلنا: إن الاستصحاب أمارة على الواقع كسائر الأمارات، ووجه اعتباره عند العقلاء أو الشارع أن الثابت يدوم، فيكون " الكون السابق الكاشف عن البقاء في زمن الشك فيه " هو حقيقة الاستصحاب، فهذا التعريف صحيح ولو بناء على أخذه من الأخبار.
وأما لو قلنا: بأن اعتباره الشرعي إنما يكون بجعل اليقين طريقا إلى متعلقه في زمان الشك، فتكون حقيقته: " أنها اليقين السابق على الشك في البقاء، الكاشف عن متعلقه في زمن الشك ".
ولو قلنا: بأن اعتباره ليس لأجل الطريقية إلى الواقع، بل لأجل التحفظ عليه، وأن إيجاب العمل على طبق الحالة السابقة لأجل التحفظ عليها، فيكون أصلا وحجة على الواقع، نظير أصالة الاحتياط في الشبهات البدوية في الأعراض والنفوس، فتكون