الدليل القادم، أعني بناء العقلاء.
الآية الثانية وهي قوله تعالى: (وما كان المؤمنون لينفروا كافة فلولا نفر من كل فرقة منهم طائفة ليتفقهوا في الدين ولينذروا قومهم إذا رجعوا إليهم لعلهم يحذرون (1)).
والذي يبدو لي من صدر الآية أن شبهة عرضت لبعض من هم خارج المدينة من المسلمين في أن لزوم التفقه المباشر من النبي صلى الله عليه وآله انما هو من قبيل الواجبات العينية التي لا يسقطها قيام البعض بها عنهم، ففكروا بالنفر جميعا إلى المدينة ليأخذوا الاحكام عنه مباشرة، فنزلت هذه الآية لتفهمهم بأن هذا النوع من النفر الجماعي لا ضرورة له، وليس هو مما ينبغي أن يكون لما ينطوي عليه من شل لحركتهم الاجتماعية وتعطيل لأعمالهم، فاكتفى الشارع بمجئ طائفة من كل فرقة منهم للتفقه في الدين والقيام بمهمة تعليمهم إذا رجعوا إليهم.
والظاهر من أمثال هذه الآيات التي يقع فيها تقابل الجمع بالجمع انها واردة على نحو الجموع الانحلالية لا المجموعية، بمعنى أن كل واحد من هذه الطائفة مسؤول عن تعليم بعض المكلفين لا ان المجموع مسؤولون عن تعليم المجموع، ونظيره في تعبيراتنا المتعارفة ما لو أصدرت وزارة التعليم مثلا بيانا إلى المعلمين في الدولة في أن يكافحوا الأمية بتعليم المواطنين الأميين، فليس معنى ذلك أن يجتمع المعلمون جميعا ليعلموا دفعة واحدة مجموع الأميين، بل معناه أن على كل واحد ان يجند نفسه لتعليم غيره فردا كان أو أكثر.
والعمومات المجموعية نادرة فلا يصار إليها إلا بدليل.
والذي أتصوره أن الطريقة السائدة في عصورنا من الهجرة إلى مراكز