وملخص ما ذهبوا إليه أن جميع أفعال العبيد وإن كانت مخلوقة لله عز وجل، ومرادة له بالإرادة التكوينية لامتناع جعل الشريك له في الخلق، إلا أن خلقه لأفعالهم إنما هو بتوسط إرادتهم الخاصة غالبا وفي طولها، وبذلك صححوا نسبة الأفعال للعبيد ونسبتها لله فهي مخلوقة لله عز وجل حقيقة، وهي صادرة عن إرادة العبيد حقيقة أيضا، وبذلك صححوا الثواب والعقاب، وذهبوا إلى الحل الوسط الذي أخذوه من أقوال أئمتهم (عليهم السلام) لا جبر ولا تفويض، وانما هو أمر بين أمرين وبهذا سلموا من مخالفة الوجدان في نفي الإرادة وسلبها عنهم، كما هو مفاد مذهب القائلين بالجبر، كما سلموا من شبهة المفوضة في عزل الله عن خلقه وتفويض الخلق لعبيده، كما هو مذهب المفوضة.
وبناء على هذه النظرية يكون مفاد الآية ان الله عز وجل لما علم أن إرادتهم تجري دائما على وفق ما شرعه لهم من أحكام، بحكم ما زودوا به من إمكانات ذاتية، ومواهب مكتسبة نتيجة تربيتهم على وفق مبادئ الاسلام تربية حولتهم في سلوكهم إلى اسلام متجسد، ثم بحكم ما كانت لديهم من القدرات على أعمال ارادتهم وفق أحكامه التي استوعبوها علما وخبرة، فقد صح له الاخبار عن ذاته المقدسة بأنه لا يريد لهم بإرادته التكوينية إلا إذهاب الرجس عنهم، لأنه لا يفيض الوجود إلا على هذا النوع من أفعالهم ما داموا هم لا يريدون لأنفسهم إلا إذهاب الرجس والتطهير عنهم.
وبهذا يتضح معنى الاصطفاء والاختيار من قبله لبعض عبيده في أن يحملوا ثقل النهوض برسالته المقدسة كما هو الشأن في الأنبياء وأوصيائهم عليهم السلام.
على أن الشبهة لو تمت فهي جارية في الأنبياء جميعا، وثبوت العصمة