فان ملاك حفظ النفس ومصلحته غير متوقف على القدرة، وان كان العاجز معذورا عقلا، بخلاف الوضوء، فإنه مشروط بالقدرة شرعا بقرينة مقابلة الامر به للامر بالتيمم المقيد بفقدان الماء. والمراد به عدم القدرة على الوضوء، إذ من المعلوم أن مجرد وجدان الماء لا يرفع التكليف بالتيمم، ولو مع عدم القدرة على الاستعمال. وبعد كون التكليف بالتيمم مشروطا بعدم القدرة على الوضوء يكون التكليف بالوضوء مشروطا بالقدرة لا محالة، لان التقسيم قاطع للشركة، كما ذكرناه سابقا، فيجب تقديم حفظ النفس وينتقل من الوضوء إلى التيمم، لأنه مع تقديمه لا تفوت عن المكلف مصلحة أصلا، فان مصلحة حفظ النفس محفوظة بالامتثال. ومع صرف القدرة فيه ينتفي التكليف بالوضوء بانتفاء موضوعه. وهو القدرة، فليس له ملاك ليفوت، بخلاف تقديم الوضوء، فإنه يوجب تفويت مصلحة حفظ النفس، لعدم كونها مشروطة بالقدرة على الفرض.
أقول: لو اعتبر في موضوع أحد التكليفين القدرة الشرعية، بمعنى أن لا يكون المكلف بالفعل مشغول الذمة بواجب آخر، لا يجتمع معه في الوجود، فلا اشكال في تقديم ما هو غير مشروط بها على المشروط، فان المفروض أن نفس توجه التكليف - بما هو غير مشروط - يمنع عن تحقق موضوع المشروط. ولكن هذا الفرض خارج عن التزاحم، لما ذكرناه سابقا من أن الملاك في التزاحم أن يكون امتثال أحد التكليفين موجبا لارتفاع موضوع الاخر. وليس المقام كذلك، فان نفس التكليف بغير المشروط رافع لموضوع المشروط وتعجيز للمكلف عنه. ولذا ذكرنا في بحث الترتب أنه لو لم يصرف قدرته في غير المشروط، لا يصح المشروط ولو على القول بامكان الترتب.
وأما لو كانت القدرة - المعتبرة في موضوع أحد التكليفين - عبارة عن تمكن المكلف من الاتيان بمتعلقه خارجا، فلا اشكال حينئذ في فعلية المشروط ووجود