الحكومات كذلك، فإنه لو خالفها أحد من الرعايا - اعتذارا بوجود المفسدة أو بعدم المصلحة - لا يسمع منه ويكون معاقبا عند الحكام. وحيث أنه ليس للمكلف دخل في هذا التزاحم، فلا تترتب - على البحث عنه - ثمرة، فهو خارج عن محل البحث.
والتزاحم بهذا المعنى مختص بمذهب العدلية من تبعية الاحكام للمصالح والمفاسد في متعلقاتها - كما عليه المشهور منهم - أو في نفس الاحكام كما عليه جماعة منهم. وأما على مذهب الأشاعرة القائلين بعدم تبعية الاحكام للمصالح والمفاسد أصلا، فلا يتصور التزاحم بهذا المعنى.
وقد يطلق التزاحم على تزاحم الاحكام في مقام الامتثال، بأن توجه إلى المكلف تكليفان: يكون امتثال أحدهما متوقفا على مخالفة الاخر لعجزه عن امتثال كليهما، كما إذا توقف إنقاذ الغريق على التصرف في الأرض المغصوبة، أو كان هناك غريقان لا يقدر المكلف إلا على انقاذ أحدهما. وتحقق هذا التزاحم لا يتوقف على وجود الملاك في متعلقات الاحكام أو في نفسها، بل يمكن تحققه حتى على مذهب الأشاعرة القائلين بعدم تبعية الاحكام للملاكات أصلا، كما هو واضح. وهذا التزاحم هو المقصود بالبحث هنا.
وملخص الفرق بينه وبين التعارض: أنه ليس في باب التزاحم تناف بين الدليلين من حيث المدلول أصلا، إذ من الواضح عدم التنافي بين الدليل الدال على وجوب الانقاذ، والدليل الدال على حرمة التصرف في الغصب. نعم القدرة مأخوذة في موضوع كلا الحكمين، إما من جهة حكم العقل بقبح تكليف العاجز. وإما من جهة اقتضاء نفس التكليف ذلك، على خلاف بيننا وبين المحقق النائيني (ره). وحيث أن المكلف لا يقدر على امتثال كلا التكليفين - على الفرض - يكون اختيار أحدهما - تعيينا أو تخييرا - موجبا لعجزه عن امتثال الاخر، فيكون الحكم الاخر منتفيا بانتفاء موضوعه.