الشك ناشئا من احتمال الغفلة والسهو، فلا مجال لجريانهما فيما إذا احتمل ترك الجزء أو الشرط عمدا، لما ذكرناه من أنهما ليستا من القواعد التعبدية، بل امضاء لقاعدة ارتكازية عقلائية، وهي أصالة عدم الغفلة، لظهور حالهم حين الامتثال في عدم الغفلة. ولا يستفاد من الأدلة أزيد من هذا المعنى، مضافا إلى دلالة التعليل المذكور في بعض الروايات على الاختصاص، فان كونه أذكر إنما ينافي الترك السهوي لا الترك العمدي، كما هو واضح. ففي موارد احتمال الترك العمدي لا تجري قاعدة الفراغ ولا قاعدة التجاوز، بل لابد من الرجوع إلى أصل آخر. والحكم بمفاده من الصحة أو الفساد.
ويختلف باختلاف المقامات.
وملخص الكلام فيها أنه إن كان الشك في الصحة لاحتمال ترك شئ اعتبر - وجوده في المأمور به جزء أو شرطا يحكم بالبطلان لأصالة عدم تحقق هذا الشئ المشكوك فيه. وإن كان الشك في الصحة لاحتمال الاتيان بشئ اعتبر عدمه في المأمور به الذي يعبر عنه بالمانع يحكم بالصحة. لأصالة عدم تحقق المانع. هذا تمام الكلام في قاعدة الفراغ والتجاوز.
(الكلام في أصالة الصحة ويقع البحث فيها في جهات):
(الجهة الأولى) - في بيان امتيازها عن قاعدة الفراغ. والميز بينهما من وجهين:
(الأول) - أن قاعدة الفراغ جارية بالنسبة إلى العمل الصادر من نفس الشاك على ما هو المستفاد من أدلتها، ومورد أصالة الصحة هو عمل الغير. (الثاني) - أن قاعدة الفراغ مختصة بما إذا كان الشك بعد الفراغ من العمل. غاية الامر أنا عممناها للجزء أيضا، فتجري عند الشك في صحة الجزء أيضا بعد الفراغ منه على ما ذكرناه. وأما أصالة الصحة، فلا اختصاص لها بالشك بعد الفراغ، بل هي جارية عند الشك في صحة العمل في أثنائه أيضا، كما إذا كان أحد مشغولا بالصلاة على الميت، وشككنا في صحة هذه