والتحقيق أن تقديم القاعدة على الاستصحاب إنما هو من باب التخصيص.
وذلك، لان أغلب موارد العمل بالقاعدة يكون موردا لجريان الاستصحاب، كما في الشك في الركوع بعد الدخول في السجود، فإنه مع الغض عن قاعدة التجاوز كان مقتضى الاستصحاب الحكم بعدم الاتيان بالركوع، فلابد من تخصيص أدلة الاستصحاب بأدلة القاعدة، وإلا يلزم حمل القاعدة على النادر. ولا يمكن الالتزام به.
ولا يمنع من التخصيص كونهما عامين من وجه، إذ وجه التخصيص في العموم المطلق أنه لو لم يخصص لزمت لغوية الخاص رأسا. وفي المقام لو لم يخصص أحد العامين من وجه - وهو أدلة الاستصحاب - يلزم حمل العام الآخر - وهو أدلة القاعدة - على الفرد النادر. وهو بحكم اللغو، فليس الملاك في التخصيص كون النسبة هي العموم المطلق، بل الملاك لزوم لغوية أحد الدليلين على تقدير عدم الالتزام بتخصيص الدليل الآخر على ما ذكرناه. ولم يوجد مورد من موارد العمل بالقاعدة لم يكن الاستصحاب فيه مخالفا لها، إلا موردين: (أحدهما) - ما إذا كان لشئ حالتان متضادتان، وشك في المتقدم والمتأخر منهما بعد الفراغ من العمل، كمن كان محدثا ومتوضئا قبل الصلاة، وبعد الفراغ منها شك في تقدم الحدث على الوضوء وتأخره عنه، ففي مثله يحكم بصحة الصلاة، لقاعدة الفراغ. ولا مجال لجريان الاستصحاب، للتعارض على مسلكنا، ولعدم المقتضي لعدم اتصال زمان الشك بزمان اليقين على مسلك صاحب الكفاية (ره) على ما تقدم (ثانيهما) - ما إذا كان الاستصحاب مطابقا للقاعدة، كما إذا شك بعد الفراغ من الصلاة في طرو مانع من موانع الصلاة حين الاشتغال بها، فان استصحاب عدم طرو المانع موافق لقاعدة الفراغ كما هو ظاهر.
هذا تمام الكلام في تعارض الاستصحاب مع قاعدة الفراغ. وحيث أن قاعدة الفراغ من القواعد المهمة. وتكون نظرية من جهات شتى ينبغي صرف عنان الكلام