الجعل يجري لاثبات فعلية التكليف عند وجود موضوعه، كذلك استصحاب عدم الجعل يكفي في إثبات عدم فعليته. هذا تمام الكلام في دفع الاشكالات الواردة في المقام.
ثم إنه لا يخفى أن ما ذكرناه من عدم جريان الاستصحاب في الشبهات الحكمية - مختص بالأحكام الالزامية من الوجوب والحرمة، وأما غير الإلزامي فلا مانع من جريان الاستصحاب فيه، ولا يعارضه استصحاب عدم جعل الإباحة، لما ذكرنا سابقا من أن الإباحة لا تحتاج إلى الجعل، فان الأشياء كلها على الإباحة، ما لم يجعل الوجوب والحرمة، لقوله (ع): (اسكتوا عما سكت الله عنه) وقوله (ع):
(كلما حجب الله علمه عن العباد فهو موضوع عنهم) وقوله (ع): (إنما هلك الناس لكثرة سؤالهم) فالمستفاد من هذه الروايات أن الأشياء على الإباحة ما لم يرد أمر أو نهي من قبل الشارع، فان الشريعة شرعت للبعث إلى شئ والنهي عن الاخر لا لبيان المباحات، فلا مجال لاستصحاب عدم جعل الإباحة، لكون الإباحة متيقنة، فالشك في بقائها، فيجري استصحاب بقاء الإباحة بلا معارض، بل يكون استصحاب عدم جعل الحرمة موافقا له.
وظهر بما ذكرنا أنه لا مانع من جريان الاستصحاب في الشبهات الحكمية الوضعية كالطهارة من الخبث والحدث، كما إذا شككنا في انفعال الماء العالي بملاقاة النجاسة السافلة، فنجري استصحاب الطهارة ولا يعارضه استصحاب عدم جعل الطهارة، لان الطهارة نظير الإباحة لا تحتاج إلى الجعل، بل الأشياء كلها على الطهارة ما لم تعتبر النجاسة فيها من قبل الشارع، بل الطهارة بحقيقتها العرفية كون الشئ باقيا بطبيعته الأولية، والنجاسة والقذارة شئ زائد، بل استصحاب عدم جعل النجاسة معاضد لاستصحاب بقاء الطهارة. وكذا لا مانع من جريان استصحاب الطهارة من الحدث،