بعد الارجاع المذكور، وهو كاف في حكم العقل بالفراغ وان لم تثبت صحة الصلاة الشخصية. ولولا أن مفاد قاعدة الفراغ هذا المعنى، لما كان للحكم بالفراغ مجال، إذ لو كان مفادها هو الحكم بوجود صلاة صحيحة مطلقة ولو غير صلاة الظهر، لم يكن مجال للحكم بالفراغ من صلاة الظهر في مفروض المثال، فلا فرق بين العبادات والمعاملات من هذه الجهة. فالعمدة هو الاعتراض الأول.
والتحقيق أن الاستدلال المذكور ساقط من أصله، لما ذكرناه مرارا من أن معنى الاطلاق هو الغاء جميع الخصوصيات لا الاخذ بجميعها، فإذا جعل حكم لموضوع مطلق معناه ثبوت الحكم له بالغاء جميع الخصوصيات، كما إذا جعلت الحرمة للخمر المطلق مثلا، فإنه عبارة عن الحكم بحرمة الخمر بالغاء جميع الخصوصيات من كونه أحمر أو اصفر أو مأخوذا من العنب أو من التمر وغيرها من الخصوصيات، لا الحكم بحمرة الخمر مع لحاظ الخصوصيات والاحتفاظ بها، بمعنى أن الخمر بما هو أحمر حرام، وبما هو اصفر حرام، وهكذا. وحينئذ لا مانع من جعل قاعدة كلية شاملة لموارد قاعدة الفراغ وموارد قاعدة التجاوز بلا لحاظ خصوصيات الموارد، بأن يكون موضوع القاعدة مطلق الشك في شئ بعد التجاوز عنه بلا لحاظ خصوصية كون الشك متعلقا بالصحة أو بالوجود، فيكون المجعول عدم الاعتناء بالشك في الشئ بعد التجاوز عنه بلا لحاظ كون الشك متعلقا بالوجود أو بالصحة وغيرهما من خصوصيات المورد، بل يمكن أن يقال: إن وصف الصحة من الأوصاف الانتزاعية التي ليس في الخارج بإزائها شئ، إذ هو منتزع من مطابقة المأتي به للمأمور به، فالشك في الصحة دائما يرجع إلى الشك في وجود جزء أو شرط، فلا مانع من جعل قاعدة شاملة لموارد الشك في الوجود وموارد الشك في الصحة، لكون الشك في الصحة راجعا إلى الشك في الوجود، فتكون قاعدة الفراغ راجعة إلى قاعدة التجاوز.