و (بالجملة) هذه الدلالة - بعد العلم بالوضع - غير منفكة عن اللفظ ابدا، ولا تحتاج إلى شئ من الأشياء. وهي التي تسمى عند القوم بالدلالة الوضعية، باعتبار أن الوضع عبارة عن جعل العلقة بين اللفظ والمعنى، بان ينتقل الذهن إلى المعنى عند سماع اللفظ. وإن كان المختار كون الدلالة الوضعية غيرها، فان هذه الدلالة لا تكون غرضا من الوضع، لتكون وضعية. والا نسب تسميتها بالدلالة الانسية، فان منشأها انس الذهن بالمعنى، لكثرة استعمال اللفظ فيه لا الوضع، لما ذكرناه في محله: من أن الوضع عبارة عن تعهد الواضع والتزامه بأنه متى تكلم باللفظ الخاص، فهو يريد المعنى الفلاني. وعليه فلا يكون خطوره - إلى الذهن عند سماعه من غير شاعر - مستندا إلى تعهده بل إلى انس الذهن به. وقد تقدم الكلام في تحقيقها في بحث الوضع.
(الدلالة الثانية) - دلالة اللفظ على كون المعنى مرادا للمتكلم بالإرادة الاستعمالية (أي دلالة اللفظ على أن المتكلم أراد تفهيم هذا المعنى واستعمله فيه) وهذه الدلالة تسمى عند القوم بالدلالة التصديقية، وعندنا بالدلالة الوضعية، كما عرفت.
و (كيف كان) فهذه الدلالة تحتاج إلى احراز كون المتكلم بصدد التفهيم ومريدا له، فمع الشك فيه ليست اللفظ هذه الدلالة، فضلا عما إذا علم بعدم الإرادة له، كما إذا علم كونه نائما، بل هذه الدلالة متوقفة على عدم نصب قرينة على الخلاف متصلة بالكلام، إذ مع ذكر كلمة يرمي في قوله: رأيت أسدا يرمى مثلا، لا تكون كلمة أسد دالة على أن المتكلم أراد تفهيم الحيوان المفترس، كما هو ظاهر.
(الدلالة الثالثة) - دلالة اللفظ على كون المعنى مرادا للمتكلم بالإرادة الجدية وهي التي تسمى عندنا بالدلالة التصديقية، وقسم آخر من الدلالة التصديقية عند القوم.
وهي موضوع الحجية ببناء العقلاء المعبر عنها بأصالة الجد (تارة) وأصالة الجهة (أخرى) وهذه الدلالة متوقفة - مضافا إلى عدم نصب قرينة متصلة - على عدم قيام قرينة