بالمتنافيين فيقع التعارض بينهما ويتساقطان، لعدم امكان شمول دليل الحجية لكليهما، وشموله لأحدهما ترجيح بلا مرجح. و (ثانيهما) أن تلزم من العمل بهما المخالفة العملية القطعية ولو لم يكن التنافي بين المدلولين، كما إذا علمنا بنجاسة أحد الإناءين، فجريان أصالة الطهارة في كل واحد منهما وان لم يكن نفسه منافيا لجريانها في الاخر، إلا أنه تلزم من جريانه في كليهما المخالفة العملية القطعية، وكذا في سائر مقامات العلم الاجمالي بالتكليف الإلزامي، وكلا الامرين مفقود في المقام، لعدم المنافاة بين أصالة عدم جعل الحلية وأصالة عدم جعل الحرمة، لان الحلية والحرمة متضادان، فلا يلزم من التعبد بكلا الأصلين إلا ارتفاع الضدين. ولا محذور فيه. فنتعبد بكليهما ونلتزم بعدم الجعل أصلا، ولا تلزم مخالفة عملية قطعية أيضا. غاية الامر لزوم المخالفة الالتزامية للعلم الاجمالي بجعل أحد الحكمين في الشريعة المقدسة، ولا محذور فيه، فنلتزم بعدم الجعل في مقام العمل، وفي مقام الافتاء نرجع إلى غيرهما من الأصول كاصالة البراءة مثلا في المقام، فنفتي بعدم حرمة الوطء لأصالة البراءة، ونظير ذلك ما تقدم في دوران الامر بين المحذورين، فان في الحكم بالتخيير هناك مخالفة التزامية لما هو معلوم بالوجدان من الحرمة أو الوجوب، ولا محذور فيه بعد كون الحكم بالتخيير بالتعبد الشرعي، ولا تلزم المخالفة العملية القطعية، لأنه لا يخلو إما من الفعل المطابق لاحتمال الوجوب أو الترك المطابق لاحتمال الحرمة. ولولا ذلك، لما جاز الافتاء من المجتهد بما في رسالته العملية المشتملة على المسائل الكثيرة، للعلم الاجمالي بمخالفة بعض ما في الرسالة للحكم الواقعي، فلابد له من التوقف عن الافتاء. نعم من ليس له هذا العلم الاجمالي - ويحتمل مطابقة الواقع لجميع ما في رسالته على كثرة ما فيها من المسائل - جاز له الافتاء، ولكنه مجرد فرض، ولعله لم يوجد مجتهد كان شأنه ذلك. فالسر في جواز الافتاء هو ما ذكرنا من أنه لا مانع من الافتاء بعد كونه على الموازين الشرعية
(٤٣)