الاتيان به استنادا إلى المولى تشريعا محرما، وهذا هو العزيمة، وإذا أمر بشئ وجوبا ثم سقط وجوبه وبقي رجحانه فهذا هو الرخصة. وكذا ان كان مستحبا مؤكدا ثم سقط تأكده، كما في بعض موارد سقوط الأذان والإقامة.
وظهر بما ذكرناه من معنى العزيمة والرخصة عدم كونهما من الأحكام الوضعية المجعولة، بل هما أمران راجعان إلى التكليف، فسقوط التكليف رأسا عزيمة، وسقوطه ببعض مراتبه رخصة، فلا وجه لذكرهما في جملة الأحكام الوضعية.
ثم إنه ذكر جماعة أن المجعولات الشرعية ثلاثة: الأحكام التكليفية، والأحكام الوضعية ، والماهيات المخترعة، كالصوم والصلاة. قال الشهيد (ره): " الماهيات الجعلية كالصوم والصلاة لا يطلق على الفاسد إلا الحج لوجوب المضي فيه ". وهو أول من قال بالماهيات الجعلية، ووافقه جماعة منهم المحقق النائيني (ره). والانصاف أنه لا يتعقل معنى لجعل الماهيات تشريعا، فإنها غير قابلة للجعل التشريعي. وذلك، لان معنى جعل الماهية على ما ذكروه هو تصور أمور متعددة مجتمعة ومنضما بعضها مع بعض، ثم الامر بها بعنوان أنها شئ واحد. ومرجع هذا المعنى إلى شيئين: (الأول) تصور الأمور المتعددة كالتكبير والقيام والقراءة مثلا بتصور واحد. (الثاني) الامر بهذه الأمور المتعددة، ولا يصلح شئ منهما لان يكون جعلا للماهية. (أما الأول) فهو عبارة عن ايجاد الماهيات المتعددة في الذهن، فان الوجود الذهني للأشياء هو عين تصورها لاجعل الماهيات تشريعا، فيكون تصورها جعلا تكوينيا لها في الذهن بتبع ايجادها فيه. كما أن الجعل التكويني الخارجي لماهية إنما يكون بتبع ايجادها في الخارج.
والفرق بين الوجود الذهني والخارجي أن وجود الأشياء في الخارج متمايز ومنحاز بعضها عن بعض، بخلاف وجودها الذهني، فإنه يمكن تصورها في الذهن بتصور واحد بلا امتياز لبعضها عن بعض. و (أما الثاني) فهو عبارة عن التكليف