فان قاعدة الفراغ - على ما ذكرناه - امارة على وقوع الفعل من المكلف تاما من حيث الاجزاء والشرائط، فلا كاشفية لها بالنسبة إلى فعل المولى وصدور الامر منه.
ويدل على ما ذكرناه - مع وضوحه - التعليل الوارد في بعض الروايات المتقدمة من كونه أذكر حين العمل أو أقرب إلى الحق، إذ من المعلوم أن كونه أذكر حين العمل إنما هو بالنسبة إلى عمله الصادر منه لا بالنسبة إلى فعل المولى وصدور الامر منه، كما هو ظاهر. ويتفرع على هذا أنه لو اغتسل أحد للجنابة، ثم شك في أنه كان جنبا ليصح غسله أم لا، لا مجال للحكم بصحته استنادا إلى قاعدة الفراغ، فلا يجوز له الدخول في الصلاة إلا بالوضوء. وكذا لو شك في صحة الصلاة بعد الفراغ منها للشك في دخول الوقت وعدمه.
(الوجه الثاني) - أن يكون منشأ الشك في صحة العمل هو الشك في تطبيق المأمور به على المأتي به بعد العلم بصدور الامر من المولى. وهذا على قسمين: إذ الشك في التطبيق (تارة) يكون راجعا إلى أمر اختياري للمكلف من ترك جزء أو شرط أو ايجاد مانع. و (أخرى) يكون راجعا إلى أمر اختياري له، ويعبر عنه بالشك في الصحة مع كون صورة العمل محفوظة. (أما القسم الأول) فهو القدر المتيقن من مجرى قاعدة الفراغ. و (أما القسم الثاني) فالظاهر عدم كونه موردا لجريان قاعدة الفراغ، إذ كونه أذكر حين العمل إنما هو بالنسبة إلى ما يصدر منه لا بالنسبة إلى شئ لم يصدر منه، فان نسبته إليه حين العمل وحين الشك على حد سواء، فلو صلى إلى جهة باعتقاد أنها القبلة، ثم بعد الفراغ شك في كونها القبلة، لا مجال لجريان قاعدة الفراغ، لان صورة العمل الصادر منه محفوظة، وهو غير شاك فيه، إنما الشك في الصحة من جهة أمر غير اختياري له، وهو كون الكعبة المعظمة في هذه الجهة التي صلى إليها. وليس هو حين العمل أذكر منه حين ما يشك بالنسبة إلى كون