أقول: أما الرواية الأولى، فلا يصح التمسك بها للترجيح، إذ لو كان المراد من النسخ في هذه الرواية هو النسخ الاصطلاحي، بناء على إمكانه بعد انقطاع الوحي أيضا، لكونه بمعنى بيان أمد الحكم لا ارتفاع الحكم المستمر، ولابد من أن يكون المراد من الحديث الناسخ للحديث النبوي مقطوع الصدور، فان ضرورة المذهب قاضية بعدم نسخ الكتاب والسنة بالخبر الظني، بل هذا مما اتفق عليه الفريقان فإذا لو كان المراد من النسخ هو النسخ الاصطلاحي. فلابد من أن يكون المراد من الناسخ المقطوع الصدور، وهو خارج عن محل الكلام. وإن كان المراد من النسخ معناه اللغوي ليشمل التخصيص والتقييد - كما قد أطلق عليهما في بعض لاخبار - فكان المراد تخصيص العموم المروي عن النبي (صلى الله عليه وآله) بالمخصص المروي عن الإمام (عليه السلام) أو تقييده به. ولا مانع منه. ولكنه أيضا خارج عن محل الكلام، لان الكلام في المتعارضين الذين لا يكون بينهما جمع عرفي، كما تقدم.
و (أما الرواية الثانية) الدالة على وجوب الاخذ بالمتأخر من التعارضين، فموردها المكلف العالم بصدور كلا الحكمين عن الإمام (عليه السلام) المعاصر له. ولابد له من العمل بالمتأخر، لان المتقدم لو صدر عن تقية، لكان المتأخر صادرا لبيان الحكم الواقعي، ولو كان المتأخر صادرا عن تقية يجب الاخذ به أيضا، لوجوب رعايتها فان الإمام (عليه السلام) أعرف بمصالح الوقت. وهذا غير جار في حقنا، فان المتقدم والمتأخر بالنسبة إلينا على حد سواء، إذ لا علم لنا بصدورهما، ونحتمل أن لا يكون شئ منهما صادرا. وعلى تقدير صدورهما واقعا، لا نعم أن أيا منهما صدر لبيان الحكم الواقعي ليكون عملنا عليه مع عدم المقتضي للتقية في حقنا، فلابد حينئذ من الرجوع إلى مرجح آخر، مضافا إلى أنه لو كان المراد في هذه الرواية كون التأخر مرجحا لاحد المتعارضين، لكانت منافية لجميع أخبار الترجيح، ضرورة تأخر