بوجود فرد معين يوجب العلم بحدوث الكلي بنحو الانحصار - أي يوجب العلم بوجود الكلي المتخصص بخصوصية هذا الفرد. وأما وجود الكلي المتخصص بخصوصية فرد آخر، فلم يكن معلوما لنا، فما هو المعلوم لنا قد ارتفع يقينا، وما هو محتمل للبقاء لم يكن معلوما لنا، فلا يكون الشك متعلقا ببقاء ما تعلق به اليقين، فلا يجري فيه الاستصحاب.
وبما ذكرناه من البيان ظهر الفرق بين القسم الثاني والقسم الثالث، فان اليقين في القسم الثالث قد تعلق بوجود الكلي المتخصص بخصوصية معينة، وقد ارتفع هذا الوجود يقينا. وما هو محتمل للبقاء فهو وجود الكلي المتخصص بخصوصية أخرى الذي لم يكن لنا علم به، فيختلف متعلق اليقين والشك. وهذا بخلاف القسم الثاني، فان المعلوم فيه هو وجود الكلي المردد بين الخصوصيتين، فيحتمل بقاء هذا الوجود بعينه، فيكون متعلق اليقين والشك واحدا، فلا مانع من جريان الاستصحاب فيه.
وبما ذكرناه عرفت ما في كلام الشيخ (ره) من التفصيل هذا.
وربما يقال نقضا على الشيخ (ره): إنه إذا قام أحد من النوم واحتمل جنابته في حال النوم، لم يجز له الدخول في الصلاة مع الوضوء، بناء على جريان الاستصحاب في الصورة الأولى من القسم الثالث من استصحاب الكلي. وذلك، لجريان استصحاب الحدث حينئذ بعد الوضوء، لاحتمال اقتران الحدث الأصغر مع الجنابة، وهي لا ترتفع بالوضوء. ولا يلتزم بهذا الحكم الشيخ (ره) ولا غيره، فان كفاية الوضوء حينئذ من الواضحات. وهذا يكشف عن عدم جريان الاستصحاب في القسم الثالث مطلقا.
ولكن الانصاف عدم ورود هذا النقض على الشيخ (ره). وذلك، لان الواجب على المحدث هو الوضوء، لقوله تعالى: (إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا...)