وتحصل مما ذكرناه عدم جواز الرجوع إلى القرعة في الشبهات الحكمية أصلا.
إذ المرجع في جميع الشبهات الحكمية هي الأصول العملية التي مفادها احكام ظاهرية، فان الشبهة الحكمية إن كانت لها حالة سابقة، فالمرجع فيها هو الاستصحاب. وإلا فان كان الشك في التكليف. فيرجع إلى قاعدة البراءة. وإن كان الشك في المكلف به، فلابد من الاحتياط. وأما التخيير في موارد دوران الامر بين المحذورين، فهو داخل في البراءة، إذ معنى التخيير البراءة عن الوجوب والحرمة على ما ذكرناه في محله.
فالمورد الوحيد للقرعة هي الشبهات الموضوعية التي لا يعلم حكمها الواقعي. ولا تجري فيها قاعدة من القواعد الظاهرية، كما إذا تداعى رجلان في مال عند ثالث معترف بأنه ليس له، ولم يكن له حالة سابقة، فإنه ليس موردا لقاعدة اليد ولا الاستصحاب ولا غيرهما من القواعد، فلابد من الرجوع إلى القرعة.
بقي شئ، وهو أن المستفاد من أدلة القرعة اختصاصها بموارد اشتباه الواقع، بأن يكون له تعين. واشتبه على المكلف، كما في المثال الذي ذكرناه. ويدل عليه قوله (ع): " ليس من قوم فوضوا أمرهم إلى الله، ثم اقترعوا إلا خرج سهم المحق " وقوله (ع) في ذيل رواية بعد قول الراوي: إن القرعة تخطئ وتصيب: " كلما حكم الله به فليس بمخطئ ".
فلا يرجع إلى القرعة في مورد لا تعين له في الواقع أيضا، كما إذا طلق أحد إحدى زوجاته بلا قصد التعيين، بأن يقول إحدى زوجاتي طالق، فعلى القول بصحة هذا الطلاق لا يمكن الرجوع إلى القرعة، لتعيين المطلقة. هذا إذا لم يرد نص خاص، والا فلا مانع من الرجوع إلى القرعة، وان كان المورد مما ليس له تعين واقعي كما ورد النص - في رجل قال: أول مملوك أملكه فهو حر، فورث ثلاثة - أنه يقرع بينهم، فمن إصابة القرعة أعتق.