القول - مضافا إلى الاجماع والأخبار الكثيرة الدالة على أن لله حكما في كل واقعة يشترك فيه العالم والجاهل - نفس إطلاقات أدلة الاحكام، فان مقتضى إطلاق ما يدل على وجوب شئ أو حرمته ثبوته في حق من قامت عنده الامارة على الخلاف أيضا.
وتوهم - أنه بعد العلم بحجية ما دل على خلاف الحكم الواقعي من الطرق والامارات لابد من رفع اليد عن تلك الاطلاقات، وإلا لزم اجتماع الضدين أو المثلين، وتفويت المصلحة أو الالقاء في المفسدة - مدفوع بما ذكرناه في بحث حجية الظن: من أن المحاذير - التي ذكرت لاثبات التنافي بين الحكم الواقعي والظاهري - لا يتم شئ منه، فراجع.
نعم لا يتصور الخطأ في الاحكام الظاهرية، فلابد من الالتزام بالتصويب فيها، إذ كل مجتهد عالم بوظيفته الفعلية. وجهله إنما هو بالإضافة إلى الحكم الواقعي. ولذا اخذوا العلم في تعريف الفقه، فعرفوه بأنه العلم بالأحكام الشرعية الفرعية عن أدلتها التفصيلية.
(إن قلت): ليس الامر في الاحكام الظاهرية إلا كما في الاحكام الواقعية، ولا تكون آراء المجتهدين كلها في الحكم الظاهري مصيبة. ألا ترى أنه لو بنى أحد المجتهدين في دوران الامر بين المحذورين على أن الحكم الظاهري هو الاخذ بجانب الحرمة اعتمادا على ما يظهر من بعض الموارد من تقديم الشاعر جانب الحرمة على جانب الوجوب، وبنى الآخر على جريان البراءة الشرعية في كلا طرفي الوجوب والحرمة، والتزم فيه بالتخيير، فإنه لا يكون المصيب إلا أحدهما. وكذا لو بنى أحدهما على حجية الاستصحاب في موارد الشك في المقتضي وتمسك الآخر في تلك الموارد بغير الاستصحاب كالبراءة الشرعية، فان الحكم الظاهري في الموارد المذكورة في حق كليهما إما مفاد الاستصحاب وإما مفاد البراءة. نعم لو كان موضوع الحكم الظاهري - في حق أحد المجتهدين - فعليا دون الآخر، فالامر كما ذكر، فان الوظيفة الفعلية المقررة في الشرع