وهذا الاشكال لا دافع له على مسلك صاحب الكفاية والمحقق النائيني (ره) ومن وافقهما في أن الانشاء ايجاد المعنى باللفظ، فإنه لا يمكن ايجاد شيئين يكون أحدهما في طول الآخر بجعل واحد وانشاء فارد. وأما على ما سلكناه من أن الانشاء ليس بمعنى ايجاد المعنى باللفظ إذ ليس اللفظ، إلا وجودا لنفسه والمعنى اعتبار نفساني لا يكون اللفظ موجدا له بل هو مبرز له ولافرق بين الخبر والانشاء من هذه الجهة، فكما أن الخبر مبرز لأمر نفساني، فكذا الانشاء، إنما الفرق بينهما في المبرز بالفتح، فان المبرز في الانشاء مجرد اعتبار نفساني، وليس وراءه شئ ليتصف بالصدوق والكذب،، وهذا بخلاف الجملة الخبرية، فان المبرز بها هو قصد الحكاية عن شئ في الخارج، فهنا شئ وراء القصد وهو المحكي عنه، وباعتباره يكون الخبر محتملا للصدق والكذب.
وقد ذكرنا تفصيل ذلك في مقام الفرق بين الخبر والانشاء، فلا مانع من أن يبرز حكمين يكون أحدهما في طول الآخر بلفظ واحد، بأن يعتبر أولا الحكم الواقعي لموضوعه، ثم يفرض الشك فيه فيعتبر الحكم الظاهري، وبعد هذين الاعتبارين يبرز كليهما بلفظ واحد، ولا يلزم منه محذور.
(الاشكال الثاني) أنه لا يمكن إرادة الحكم الواقعي والظاهري معا، نظرا إلى الغاية وهي قوله (ع): حتى تعلم أنه قذر، لأنه إنه كان المراد هو الحكم الواقعي، يكون العلم المأخوذ في الغاية طريقيا كما ذكرناه في أول الاحتمالات، فان الحكم الواقعي لا يرفع بالعلم، ولافرق فيه بين العالم والجاهل كما عليه أهل الحق خلافا لأهل التصويب، ولا يرتفع الحكم الواقعي في غير موارد النسخ إلا بتبدل موضوعه بأن يلاقي الجسم الطاهر نجسا، أو يرتد مسلم نعوذ بالله، أو يصير ماء العنب خمرا مثلا وإن كان المراد هو الحكم الظاهري يكون العلم المأخوذ في الغاية قيدا للموضوع وغاية له، لان موضوع الحكم الظاهري هو الشك وغايته العلم، إذا الشك