فما ظنك بالأمر الاعتباري؟ وذلك كما إذا علمنا إجمالا بعدالة أحد شخصين مع احتمال أن يكون الآخر أيضا عادلا ولكن كان في الواقع كلاهما عادلا ففي مثل ذلك لا تعين للمعلوم بالإجمال حتى في علم الله، ضرورة أنه لا واقع له غير هذا المفهوم المنتزع، فلا يمكن أن يقال: إن المعلوم بالإجمال عدالة هذا دون عدالة ذاك أو بالعكس، لفرض أن نسبة المعلوم بالإجمال إلى كل واحد منهما على حد سواء.
وبكلمة واضحة: أنا قد ذكرنا في محله: أنه لا واقع ولا تعين للمعلوم بالإجمال مطلقا. أما في مثل المثال المزبور فواضح. وأما فيما إذا فرض أن أحدهما عادل في الواقع وعلم الله دون الآخر ففي مثل ذلك أيضا لا تعين له، ضرورة أن العلم الإجمالي لم يتعلق بعدالة خصوص هذا العادل في الواقع، وإلا لكان علما تفصيليا وهذا خلف، بل تعلق بعدالة أحدهما. ومن الواضح - جدا - أنه ليس لعنوان أحدهما واقع موضوعي وتعين في عالم الخارج، بل هو مفهوم انتزاعي في عالم النفس. ولا يتعدى عن أفق النفس إلى ما في الخارج، وله تعين في ذلك العالم، لا في عالم الواقع والخارج. ومن المعلوم أن متعلق العلم هو ذلك المفهوم الانتزاعي، لا ما ينطبق عليه هذا المفهوم، لفرض أنه متعين في الواقع وعلم الله، والعلم لم يتعلق به، وإلا لكان علما تفصيليا لا إجماليا.
فالنتيجة قد أصبحت من ذلك: أنه لا مانع من تعلق الصفات الحقيقية - كالعلم والإرادة وما شاكلهما - بالجامع الانتزاعي الذي ليس له واقع ما عدا نفسه، فضلا عن الأمر الاعتباري.
ومن هنا يتبين: أنه لا فرق بين الواجب التعييني والواجب التخييري إلا في نقطة واحدة، وهي: أن متعلق الوجوب في الواجبات التعيينية: الطبيعة المتأصلة:
كالصلاة والصوم والحج وما شاكلها. وفي الواجبات التخييرية: الطبيعة المنتزعة كعنوان أحدهما. وأما من نقاط أخرى فلا فرق بينهما أصلا، فكما أن التطبيق في الواجبات التعيينية بيد المكلف فكذلك التطبيق في الواجبات التخييرية. وكما أن