وبهذا البيان قد ظهر حال القاعدة الثانية أيضا، وذلك لأن لازم صدور معلولين من علة واحدة شخصية هو: أن تكون في مرتبة ذاتها جهتان متباينتان لتؤثر بإحداهما في معلول، وبالأخرى في آخر، لما عرفت: من أن كل معلول يتعين في مرتبة ذات علته وأنه من مراتب وجودها، فإذا فرض أن العلة واحدة شخصية من جميع الجهات امتنع تعين معلولين متباينين في مرتبة ذاتها ووجودها، ضرورة أنه لا يعقل أن يكون كلاهما من مراتب وجودها ومتعينا في ذاتها. مثلا: إذا كانت الحرارة من مراتب وجود النار فلا يعقل أن تكون البرودة من مراتب وجودها، وهكذا...
وبكلمة أخرى: أن لازم فرض تعين معلولين متباينين في مرتبة ذات العلة لابد من فرض جهتين متباينتين فيها لا اشتراك بينهما أصلا، ليكون المؤثر في أحدهما جهة، وفي الآخر جهة أخرى بملاك قاعدة السنخية التي هي معتبرة بين العلل والمعاليل الطبيعية، بداهة [أنه] (1) يستحيل أن يكون المؤثر فيهما جهة واحدة شخصية، وهذا خلف.
وبعد ذلك نقول: إن ما ذكرناه من البرهان على استحالة صدور الواحد عن الكثير واستحالة صدور الكثير عن الواحد لا يجري في الواحد النوعي، ضرورة أنه لا مانع من صدور الكثير عن الواحد بالنوع، فإن مرده - بحسب التحليل والواقع - إلى صدور كل معلول شخصي عن فرد منه، وإسناد صدوره إلى الجامع باعتبار ذلك كما هو واضح. ومن المعلوم أن البرهان المزبور لا يمنع عن ذلك أصلا، كما أنه لا يمنع عن صدور الواحد النوعي عن الكثير، فإنه خارج عن موضوع تلك القاعدة، حيث إن مرده إلى استناد كل فرد إلى علة أو كل مرتبة منه إليها: كالحرارة المستندة إلى إشراق الشمس مرة، والى النار مرة أخرى، والى الغضب مرة ثالثة، والى الحركة مرة رابعة، والى القوة الكهربائية مرة خامسة، وهكذا...