وثانيا: أن ما أفاده (قدس سره) لو تم فإنما يتم فيما يمكن وجود جامع حقيقي بينهما، كأن يكونا فردين أو نوعين من طبيعة واحدة، وأما فيما إذا لم يمكن وجود جامع كذلك، كما إذا كان كل منهما من مقولة على حدة فلا يتم أصلا.
ومن الواضح أن التخيير بين فعلين أو أفعال لا يختص بما إذا كانا من مقولة واحدة، بل كما يمكن أن يكونا كذلك يمكن أن يكون أحدهما من مقولة والآخر من مقولة أخرى، أو أن يكون أحدهما أمرا وجوديا والآخر أمرا عدميا. ومن المعلوم أنه لا يمكن تصوير جامع حقيقي بينهما في أمثال ذلك كما هو واضح.
وثالثا: لو تنزلنا عن ذلك وسلمنا أن ما أفاده (قدس سره) صحيح إلا أن الجامع المزبور مما لا يصلح أن يكون متعلقا للأمر، ضرورة أن متعلق الأمر لابد أن يكون أمرا عرفيا قابلا للإلقاء إليهم. وأما هذا الجامع المستكشف بالبرهان العقلي فهو خارج عن أذهانهم، وغير قابل لأن يتعلق به الخطاب، لوضوح أن الخطابات الشرعية المتوجهة إلى المكلفين على طبق المتفاهم العرفي، ولا يعقل تعلق الخطاب بما هو خارج عن متفاهمهم، وحيث إن هذا خارج عنه فلا يعقل تعلق الخطاب به.
وأما النقطة الثانية فيرد عليها:
أولا: أنها مخالفة لظواهر الأدلة، فإن الظاهر من العطف بكلمة " أو " هو أن الواجب أحدهما لا كلاهما.
وثانيا: أن فرض كون الغرضين متضادين فلا يمكن الجمع بينهما في الخارج، مع فرض كون المكلف قادرا على إيجاد كلا الفعلين فيه بعيد جدا.
بل هو ملحق بأنياب الأغوال، ضرورة أنا لا نعقل التضاد بين الغرضين مع عدم المتضادة بين الفعلين، فإذا فرض ان المكلف متمكن من الجمع بينهما خارجا فلا مانع من ايجابهما معا عندئذ.
وثالثا: أنا لو سلمنا ذلك فرضا وقلنا بالمضادة بين الغرضين وعدم إمكان الجمع بينهما في الخارج إلا أن من الواضح - جدا - أنه لا مضادة بين تركيهما معا، فيتمكن المكلف من ترك كليهما بترك الإتيان بكلا الفعلين خارجا. هذا من ناحية.