ضرورة أنه لا أثر للمصلحة المزاحمة بمصلحة أخرى، ويكون وجودها وعدمها سيان. فإذا يكون إيجاب الجميع بلا داع، وهو يستحيل أن يصدر من الحكيم.
فالنتيجة: هي أن الواجب أحدها لا الجميع.
ثم إنه على فرض إيجاب الجميع وعدم كون مصلحة التسهيل والإرفاق مانعة منه فلا موجب لسقوط وجوب بعضها بفعل الآخر، ضرورة أنه بلا مقتض وسبب، فإن سقوط وجوب الواجب بأحد أمور لا رابع لها:
الأول: امتثاله والإتيان بمتعلقه خارجا الموجب لحصول غرضه فإنه مسقط له لا محالة.
الثاني: العجز عن امتثاله وعدم القدرة على الإتيان بمتعلقه في الخارج، سواء كان من ناحية العصيان أو غيره.
الثالث: النسخ، والمفروض أن الإتيان بالواجب الآخر ليس شيئا من هذه الأمور.
ودعوى: أنه إذا فرض أن وجوب كل منها مشروط بعدم الإتيان بالآخر فلا محالة يكون إتيانه مسقطا له مدفوعة بأن الأمر وإن كان كذلك على فرض ثبوت تلك الدعوى إلا أنها غير ثابتة، فإنه مضافا إلى عدم الدليل عليها أنها مخالفة لظواهر الأدلة في المقام، حيث إن الظاهر منها وجوب أحد الأطراف أو الطرفين لا وجوب الجميع بنحو الاشتراط، أي: اشتراط وجوب كل بعدم الإتيان بالآخر.
ورابعا: لو تنزلنا عن ذلك وسلمنا أن مصلحة التسهيل والإرفاق إلزامية وسلمنا أيضا أنها لا تمنع عن أصل جعل الوجوب للجميع وإنما توجب جواز ترك الواجب إلى البدل الذي يكون مرده إلى تقييد وجوب كل منها بعدم الإتيان بالآخر، ولكن لازم ذلك هو الالتزام في صورة المخالفة وعدم الإتيان بشئ منها باستحقاق العقاب على ترك كل منها، ضرورة أنه لا يجوز ترك الواجب بدون الإتيان ببدله، وإنما يجوز الترك إلى بدل لا مطلقا، فإذا فرض أن المكلف ترك الصوم بلا بدل وترك العتق والإطعام كذلك فلا محالة يستحق العقاب على ترك كل منها.