فالنتيجة قد أصبحت لحد الآن: أن ما ذكروه من الوجوه لتصوير الواجب التخييري لا يرجع شئ منها إلى معنى صحيح.
الذي ينبغي أن يقال في هذه المسألة تحفظا على ظواهر الأدلة: هو أن الواجب أحد الفعلين أو الأفعال لا بعينه، وتطبيقه على كل منهما في الخارج بيد المكلف، كما هو الحال في موارد الواجبات التعيينية، غاية الأمر ان متعلق الوجوب في الواجبات التعيينية، الطبيعة المتأصلة والجامع الحقيقي، وفي الواجبات التخييرية الطبيعة المنتزعة والجامع العنواني، فهذا هو نقطة انطلاق الفرق بينهما.
وتخيل: أنه لا يمكن تعلق الأمر بالجامع الانتزاعي وهو عنوان أحدهما في المقام، ضرورة أنه ليس له واقع موضوعي غير تحققه في عالم الانتزاع والنفس فلا يمكن أن يتعدى عن أفق النفس إلى ما في الخارج، ومن الواضح أن مثله لا يصلح أن يتعلق به الأمر خيال خاطئ جدا، بداهة أنه لا مانع من تعلق الأمر به أصلا بل تتعلق به الصفات الحقيقية، كالعلم والإرادة وما شاكلهما، فما ظنك بالحكم الشرعي الذي هو أمر اعتباري محض؟ وقد تقدم منا غير مرة: من أن الأحكام الشرعية سواء كانت وضعية أو تكليفية أمور اعتبارية، وليس لها واقع ما عدا اعتبار الشارع. ومن المعلوم أن الأمر الاعتباري كما يصح تعلقه بالجامع الذاتي كذلك يصح تعلقه بالجامع الانتزاعي، فلا مانع من اعتبار الشارع ملكية أحد المالين للمشتري عند قول البائع: بعت أحدهما، بل وقع ذلك في الشريعة المقدسة كما في باب الوصية، فإنه إذا أوصى الميت بملكية أحد المالين لشخص بعد موته فلا محالة يكون ملكا له بعد موته، وتكون وصيته بذلك نافذة، وكذا لا مانع من اعتبار الشارع أحد الفعلين أو الأفعال في ذمة المكلف.
وعلى الجملة: فلا شبهة في صحة تعلق الأمر بالعنوان الانتزاعي وهو عنوان أحدهما، ومجرد أنه لا واقع موضوعي له لا يمنع عن تعلقه به، ضرورة أن الأمر لا يتعلق بواقع الشئ، بل بالطبيعي الجامع، ومن الواضح جدا أنه لا يفرق فيه: بين أن يكون متأصلا أو غير متأصل أصلا.