الواصلة دون الجهات الواقعية. فإذا لابد من النظر في هذين الأمرين:
أما الأمر الأول: فقد عرفت أنه لا مجال له أصلا، ضرورة أنه لا طريق لنا إلى إحراز أنه مشتمل على الملاك في هذا الحال كما مر آنفا.
وأما الأمر الثاني: فقد نشأ من الخلط بين الجهات المؤثرة في الأحكام الشرعية والجهات المؤثرة في الأحكام العقلية، فإن المؤثر في الأحكام العقلية - وهي الحسن والقبح - إنما هو الجهات الواصلة، ضرورة أن العقل لا يحكم بحسن شئ وقبح شئ آخر إلا فيما إذا أحرز ما هو المؤثر فيهما، لما ذكرناه: من أنه لا واقع موضوعي لهما ما عدا إدراك العقل استحقاق الفاعل المدح على فعل واستحقاقه الذم على آخر.
ومن الواضح جدا أن العقل لا يحكم بذلك إلا إذا أحرز انطباق عنوان العدل عليه في الأول، وانطباق عنوان الظلم في الثاني، حيث إن حكم العقل بقبح الظلم وحسن العدل ذاتي وغير قابل للانفكاك أبدا، ولا يحتاج إلى علة خارجة عن مقام ذاتهما، ضرورة أن الذاتي غير قابل للتعليل بشئ، من دون فرق في ذلك بين أن يكون الذاتي ذاتي باب البرهان، أو ذاتي باب الكليات: كالجنس والفصل، وهذا واضح.
وأما حكمه بقبح غيرهما من الأفعال الاختيارية أو حسنها فهو ليس بالذات، بل من ناحية انطباق عنوان الظلم عليها أو العدل. مثلا: ضرب اليتيم إذا كان للتأديب انطبق عليه عنوان العدل، وإذا كان للإيذاء انطبق عليه عنوان الظلم، ولذا يحكم بحسنه على الأول وقبحه على الثاني، وهذا واضح.
وأما المؤثر في الأحكام الشرعية فهو الجهات الواقعية، لا الجهات الواصلة، ضرورة أن الأحكام الشرعية لو كانت تابعة لتلك الجهات - أي: الجهات الواصلة - للزم التصويب وانقلاب الواقع، فإن معنى ذلك هو: تبعية الأحكام لعلم المكلف وهذا معنى التصويب. وقد تقدم الكلام في ذلك من هذه الناحية بشكل واضح فلاحظ.