ومن المعلوم أن أحد الملاكين أجنبي عن الملاك الآخر بالكلية، ولا مساس لأحدهما بالآخر أبدا، ولذا لا يعتبر في كون شئ من مقولة الفعل أن يكون من الأفعال الاختيارية أصلا كما هو واضح.
وعلى الجملة: فالفعل الاختياري لا يكون مساوقا لمقولة الفعل، بل النسبة بينهما عموم من وجه، فإن الشئ قد يكون من مقولته، ولا يكون اختياريا كالهيئات العارضة للأجسام الخارجية، وقد يكون اختياريا وليس من مقولته، بل من مقولة أخرى كمقولة الوضع أو الكيف أو نحوها.
ونتيجة ما ذكرناه: هي أن الصلاة لا تتحد مع الغصب خارجا، لا من ناحية النية، ولا من ناحية التكبيرة والقراءة وما شاكلهما، ولا من ناحية الركوع والسجود والقيام والقعود.
بقى في المقام أمران:
الأول: أنه لا شبهة في أن الهوي إلى الركوع والسجود أو النهوض عنهما إلى القيام والجلوس تصرف في ملك الغير ويكون مصداقا للغصب، ضرورة أن الحركة في الدار المغصوبة من أوضح أنحاء التصرف فيها، وبما أن الهوي والنهوض نحو من الحركة فلا محالة يكونان متحدين مع الغصب خارجا، ومن مصاديقه وأفراده، إلا أن الكلام في أنهما من أجزاء الصلاة كبقية أجزائها أو من مقدماتها.
فعلى الأول لا مناص من القول بالامتناع، لفرض أن الصلاة - عندئذ - متحدة مع الغصب في الخارج ومصداق له ولو باعتبار بعض أجزائها، ومعه لابد من القول بالامتناع، أي: بامتناع الصلاة في الأرض المغصوبة، لاستحالة أن يكون شئ واحد مصداقا للمأمور به والمنهي عنه معا.
وعلى الثاني فلا مناص من القول بالجواز، وذلك لأن الهوي والنهوض وإن كانا تصرفا في ملك الغير إلا أنهما ليسا من أجزاء المأمور به ليلزم اتحاده مع المنهي عنه، بل هما من مقدمات وجوده في الخارج.