ومن ذلك يظهر حال الأوامر الواردة في أبواب العبادات بشتى أشكالها أنها أوامر ارشادية، فتكون إرشادا إلى الجزئية أو الشرطية: كالأمر بالركوع والسجود والقيام واستقبال القبلة والطهور وما شاكلها، فإنها إرشاد إلى جزئية الركوع والسجود للصلاة، وشرطية القيام والاستقبال والطهور لها.
ومما يؤكد ذلك: وجود هذه الأوامر في أبواب المعاملات، فإنه لا إشكال في كون تلك الأوامر هناك إرشادية، ضرورة أن مثل قوله (عليه السلام): " اغسل ثوبك من أبوال ما لا يؤكل " أو نحوه لا يحتمل فيه غير الإرشاد إلى نجاسة الأبوال، وأن المطهر للثوب المتنجس بها هو الغسل...، وهكذا الحال في بقية الأوامر الواردة فيها.
الرابعة: أن التروك المأخوذة في متعلق الأمر مرة تكون مأخوذة على نحو الاستقلال، بأن تكون تلك التروك واجبة بوجوب استقلالي. ومرة أخرى تكون مأخوذة على نحو القيدية، بأن تكون واجبة بوجوب ضمني فالقسم الأول وقوعه في الشريعة في غاية القلة، وأما القسم الثاني فهو في غاية الكثرة في باب العبادات والمعاملات.
كما أن الوجودات المأخوذة في متعلق الأمر مرة تكون على نحو الاستقلال، واخرى على نحو القيدية والجزئية، والأول: كالصلاة والصوم وما شاكلها، والثاني:
كالركوع والسجود والقيام والطهور ونحوها، وكلا هذين القسمين كثير في الشريعة في باب العبادات والمعاملات كما هو واضح.
الخامسة: أن هذا الترك مأمور به، سواء أكان مبرزه في الخارج صيغة الأمر أم صيغة النهي، لما عرفت من أنه لا شأن للمبرز - بالكسر - أصلا، وإنما العبرة بالمبرز بالفتح.
السادسة: أن التروك المأخوذة في متعلق الأمر بكلا قسميها من الاستقلالي والضمني تتصور في مقام الثبوت والواقع على صور أربع. وقد تقدم أن الثمرة تظهر بين هذه الصور في موردين:
أحدهما: في مورد الاضطرار والإكراه.