- عندئذ - من الرجوع في هذا المورد إلى الأصل فيه، إلا إذا كان إطلاق أحدهما من الكتاب أو السنة، وإطلاق الآخر من غيرهما، فيتقدم الأول على الثاني، وذلك لما استظهرناه: من أن الروايات الدالة على طرح الأخبار المخالفة للكتاب أو السنة تشمل المخالفة بالإطلاق أيضا، فإذا لا يكون هذا الإطلاق حجة في نفسه، مع قطع النظر عن المعارضة في مقابل إطلاق الكتاب أو السنة (1).
وإن كان التعارض بينهما بالعموم فعندئذ لابد من الرجوع إلى قواعد ومرجحات باب المعارضة. وإن كان أحد الدليلين مطلقا والآخر عاما فيتقدم العام على المطلق، لأنه يصلح أن يكون بيانا للأول دون العكس.
وإن كان كلاهما لبيا فلابد - وقتئذ - من الرجوع إلى دليل آخر من أصل لفظي أو عملي، لفرض أن المتيقن منهما غير هذا الفرض، فلا إجماع فيه، لا على مانعية هذا ولا على مانعية ذاك، كما هو ظاهر.
نتائج ما ذكرناه لحد الآن عدة نقاط:
الأولى: أن النهي عن فعل غالبا ينشأ عن قيام مفسدة ملزمة فيه، ولا ينشأ عن مصلحة إلزامية في تركه، وإلا لكان تركه واجبا، لا فعله محرما، وهذا خلف، والأمر به ينشأ غالبا عن قيام مصلحة ملزمة في فعله، لا عن قيام مفسدة كذلك في تركه، وإلا لكان تركه محرما لا فعله واجبا.
الثانية: أن الأمر كما يتعلق بالفعل باعتبار وجود مصلحة إلزامية فيه فيكون ذلك الفعل واجبا - سواء كان وجوبه ضمنيا أم استقلاليا - قد يتعلق بالترك كذلك، أي: باعتبار وجود مصلحة ملزمة فيه، فيكون ذلك الترك واجبا، سواء كان وجوبه استقلاليا أم ضمنيا.
الثالثة: أن النواهي الواردة في أبواب العبادات جميعا نواهي إرشادية، فتكون إرشادا إلى مانعية أشياء: كالقهقهة والحدث والتكلم ولبس ما لا يؤكل والنجس