نتيجة مقدمات الحكمة بين الأمر والنهي - ليس من ناحية اختلافهما في المتعلق، لما عرفت من أن متعلقهما واحد، وهو نفس طبيعي الفعل، فإنه كما يكون متعلقا للأمر كذلك يكون متعلقا للنهي.
بل إن ذلك إنما كان من جهة خصوصية في تعلق الأمر والنهي به، وهذه الخصوصية: هي أن المطلوب من الأمر بما أنه إيجاد الطبيعة في الخارج فلا يمكن أن يريد المولى منه إيجادها بكل ما يمكن أن تنطبق عليه هذه الطبيعة، لفرض عدم تمكن المكلف منه كذلك، فهذه الخصوصية أوجبت أن تكون نتيجة مقدمات الحكمة فيه هي كون المطلوب إيجادها في ضمن فرد ما المعبر عنه بصرف الوجود.
والمطلوب من النهي بما أنه حرمان المكلف فلا يمكن أن يراد منه حرمانه عن بعض أفرادها، لفرض أنه حاصل قهرا، والنهي عنه تحصيل للحاصل، فهذه الخصوصية أوجبت أن تكون نتيجة مقدمات الحكمة فيه: هي كون المطلوب حرمان المكلف عن جميع أفرادها.
وبكلمة واضحة: أن السبب الموضوعي لاختلاف نتيجة مقدمات الحكمة إنما هو اختلاف خصوصيات الموارد، ففي مورد لخصوصية فيه تنتج مقدمات الحكمة الإطلاق الشمولي، وفي مورد آخر لخصوصية فيه تنتج الإطلاق البدلي، مع أن الموردين يكونان متحدين بحسب الموضوع والمتعلق.
مثلا: في مثل قوله تعالى: " وأنزلنا من السماء ماء طهورا " (1) تنتج المقدمات الإطلاق الشمولي، ببيان أن جعل الطهور لفرد ما من الماء في العالم لغو محض فلا يصدر من الحكيم.
فإذا لا محالة يدور الأمر بين جعله لكل ما يمكن أن ينطبق عليه هذا الطبيعي في الخارج، وجعله لخصوص حصة منه: كالماء الكر - مثلا - أو الجاري أو نحو